{ وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} بين سبحانه في النصوص الكريمة السابقة حال أخذ الرجل بعض ما آتاه إذا أتت المراة بفاحشة بينة واضحة تعلن نفسها ، وذكر سبحانه علاج الرجل لنفسه إذا أحس بكراهية ، لكي يتجنب الطلاق الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:"ما أحل الله شيئا ابغضه كالطلاق"{[686]} ، فإذا استرسل في الكراهية ، واختار ابغض الحلال ، فإنه لا يصح ان يسترد منها أي مقدار أعطاها إياه ولو كان قنطارا من فضة او ذهب ، فالتفريق هنا بمجرد إرادته لا بسبب من جانبها ، ولذا قال:"وإن أردتم} وعبر في التعليق ب"إن"وهي لا تكون لوقوع الفعل مؤكدا ، لينبه على ان الإرادة قد تكون غير سليمة ، وغير مبنية على أسباب قوية ، والاستبدال طلب البدل ، بان يطلق واحدة ويتزوج أخرى . وقوله تعالى:{ وآتيتم إحداهن قنطارا} لبيانه انه لا يسترد شيء مهما يكن كبيرا ؛ إذ القنطار أقصى ما يتصور من مهور . والقنطار أصله من قنطرت الشيء إذا رفعته ، ومنه القنطرة ؛ لأنها بناء مرتفع مشيد ، وقد قال الشاعر:
كقنطرة الرومي أقسم ربها لتكتنفن حتى تشاد بقرمد{[687]}
وخلاصة المعنى انه لا يصح ان يأخذ شيئا ما دام التفريق بإرادته وبسبب من جانبه ، ولم يكن لها فيه أي عمل ، وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى:{. . .ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا ان يخافا الا يقيما حدود الله . . .229} [ البقرة] فإن الآية التي نتكلم فيها كان الطلاق بسبب من جانبه وهو إرادته الاستبدال ، وأما الآية الأخرى ، فإنها عندما تريد المراة ذاتها التفريق غير معضولة ولا مبخوسة أي حق من حقوق الزوجية المفروضة على الزوج .
وقد وبخ سبحانه وتعالى على الأخذ عند إرادة الاستبدال بنصين كريمين:أولهما قوله تعالى:
{ أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا} هذا توبيخ واستنكار للأخذ ، والبهتان هو الكذب غير المعقول الذي يتحير فيه العقل ، ويطلق على كل أمر يتحير العقل في إدراك سببه ، او لا يعرف مبررا لوقوعه ، كمن يعتدي على الناس من غير عداوة سابقة ولا نفع مجلوب ، ولا غرض مقصود . والإثم الذنب العظيم ، والمبين الواضح الذين يعلن نفسه ووضحه ، ويكشف عن مقدار الأذى فيه . وقد قال العلماء:إن البهتان والإثم مصدران قصد بهما الوصف ، أي أتأخذونه باهتين فاعلين فعلا تتحير العقول في سببه ، آثمين بفعله واضحا معلن الوضوح مستنكر الوقوع ، ويصح ان يكون المصدران مفعولين لأجله ، ويكون ذلك توبيخا أشد ، ويكون المعنى عليه:أتأخذونه لأجل البهتان والإثم المبين ؟ ويكون في التعليل توبيخ أشد ، وهذا هو الذي نراه .