هذا ، هو النص الأول الموبخ ، والنص الثاني هو قوله تعالى:
{ وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم على بعض وأخذن منه ميثاقا غليظا} الإفضاء معناه الخلوص ، أي يخلص كل واحد الآخر ، وفسر بأنه الخلوة بين الرجل وزوجه ليس معهما احد ؛ لأن الفضاء هو الذي يكون بينهما . والاستنكار هنا للحال الواقعة ، فالأول كان استنكارا لذات الأخذ ، وهنا الاستنكار لما أحاط بالأخذ من أحوال . والمؤدى ان الأخذ عند إرادة الاستبدال امر مستنكر في ذاته ، ثم هو مستنكر لأجل الأحوال التي كانت بين الزوجين . وقد ذكر سبحانه وتعالى سببين للاستنكار:أحدهما –الإفضاء وخلوص زوج لنفس صاحبه حتى صارا كأنهما نفس واحدة . وثانيهما – الميثاق الغليظ أي الشديد القوي الثابت الذي هو عهد ثقيل لا يصح منه التخلص . وذلك الميثاق ، هو الارتباط بين الزوجين أمدا صارت فيه نفس كل واحد قطعة من الآخر ، وهو أمر الله تعالى إذ يقول:{. . .فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان . . .229}[ البقرة] ، وليس الأخذ من التسريح بإحسان ، وهو المودة التي تظل بين الزوجين في مدة الحياة الزوجية التي صورها الله سبحانه وتعالى:{ ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون21}[ الروم] .
هذا ، وقبل نختم الكلام في هذه الآيات نقرر أمرين:
أحدهما – ان الرجل في افتراقه عن زوجه لا يحل له دينا ان يأخذ منها شيئا إذا كان النشوز من جانبه ، ولا يحل ان يأخذ أكثر مما اعطى إذا كان النشوز من جانبها ، وما أخذ في غير ذلك يكون كسبا خبيثا ، وقد اتفق على ذلك العلماء .
ثانيهما – ان قوله تعالى:{ وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا} تدل على انه ليس للمهر حد أعلى ، وقد استدلت بذلك امرأة امام أمير المؤمنين عمر عندما قال( ألا تغالوا في صدقات النساء ، فلها لو كانت مكرمة في الدنيا او تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى اله عليه وسلم ؛ ما امهر قط امرأة من بناته ولا نسائه فوق اثنتي عشرة أوقية ) . وجعل رضي الله عنه ذلك حدا أعلى ، فقالت امرأة( يعطينا الله وتحرمنا ) ، وتلك الآية ، فقال الإمام العادل( اخطأ عمر وأصابت امرأة ) ، ولكن عمر كان ينظر بنور الله وروح الإسلام ، فإن اخطأ في الحد بمقدار ، فإنه لم يخطئ في منع المغالاة في المهور ، ولله عاقبة الأمور .