وقوله:( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ) أي:إذا أراد أحدكم أن يفارق امرأة ويستبدل مكانها غيرها ، فلا يأخذن مما كان أصدق الأولى شيئا ، ولو كان قنطارا من مال .
وقد قدمنا في سورة آل عمران الكلام على القنطار بما فيه كفاية عن إعادته هاهنا .
وفي هذه الآية دلالة على جواز الإصداق بالمال الجزيل ، وقد كان عمر بن الخطاب نهى عن كثرة الإصداق ، ثم رجع عن ذلك كما قال الإمام أحمد:حدثنا إسماعيل ، حدثنا سلمة بن علقمة ، عن محمد بن سيرين ، قال:نبئت عن أبي العجفاء السلمي قال:سمعت عمر بن الخطاب يقول:ألا لا تغلوا في صداق النساء ، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية ، وإن كان الرجل ليبتلى بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه ، وحتى يقول:كلفت إليك علق القربة ، ثم رواه أحمد وأهل السنن من طرق ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي العجفاء - واسمه هرم بن مسيب البصري - وقال الترمذي:هذا حديث حسن صحيح .
طريق أخرى عن عمر:قال الحافظ أبو يعلى:حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني محمد بن عبد الرحمن ، عن المجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، قال:ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله ثم قال:أيها الناس ، ما إكثاركم في صدق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك . ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها . فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم قال:ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت:يا أمير المؤمنين ، نهيت الناس أن يزيدوا النساء صداقهم على أربعمائة درهم ؟ قال:نعم . فقالت:أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال:وأي ذلك ؟ فقالت:أما سمعت الله يقول:( وآتيتم إحداهن قنطارا [ فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا] ) [ النساء:20] قال:فقال:اللهم غفرا ، كل الناس أفقه من عمر . ثم رجع فركب المنبر فقال:إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة درهم ، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب . قال أبو يعلى:وأظنه قال:فمن طابت نفسه فليفعل . إسناده جيد قوي .
طريق أخرى:قال ابن المنذر:حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق ، عن قيس بن ربيع ، عن أبي حصين ، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال:قال عمر بن الخطاب:لا تغالوا في مهور النساء . فقالت امرأة:ليس ذلك لك يا عمر ، إن الله تعالى يقول:"وآتيتم إحداهن قنطارا من ذهب ". قال:وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود:"فلا يحل لكم أن تأخذوا منه شيئا "فقال عمر:إن امرأة خاصمت عمر فخصمته .
طريق أخرى:عن عمر فيها انقطاع:قال الزبير بن بكار حدثني عمي مصعب بن عبد الله عن جدي قال:قال عمر بن الخطاب لا تزيدوا في مهور النساء وإن كانت بنت ذي الغصة - يعني يزيد بن الحصين الحارثي - فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال . فقالت امرأة - من صفة النساء طويلة ، في أنفها فطس -:ما ذاك لك . قال:ولم ؟ قالت:لأن الله [ تعالى] قال:( وآتيتم إحداهن قنطارا ) الآية . فقال عمر:امرأة أصابت ورجل أخطأ .