سبب النّزول:
كان التقليد المتبع قبل الإِسلام أنه إِذا أراد الرجل أن يطلق زوجته ،ويتزوج بأُخرى أن يتّهم الزوجة الأُولى بالزنا والخيانة الزوجية فراراً من دفع مهرها ،أو يعمد إِلى معاملتها بقسوة حتى ترد مهرها الذي قد أخذته من قبل إِلى الرجل ،ليستطيع أن يعطي ذلك المبلغ للزوجة الجديدة التي يبغي الزواج بها ،ويمهرها به .
فنزلت هذه الآيات تستنكر هذا العمل القبيح الظالم بشدّة ،وتشجبه وتقبحه وتدعو إِلى إِنصاف الأزواج وعدم ظلمهنّ في مهورهنّ .
التّفسير:
نزلت الآيتان الحاضرتان لتحميا قسماً آخر من حقوق المرأة ،فقد جاءت الآية الأُولى تقول: ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهنّ قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ) فهي تخبر المسلمينإِذا عزموا على تطليق الزوجة واختيار زوجة أُخرىأنّه لا يحق لهم أبداً أن يبخسوا من صداق الزوجة الأُولى شيئاً أو يستردوا شيئاً من الصداق إِذا كانوا قد سلموه إِلى الزوجة مهما كان مقداره كثيراً وثقيلا ،والذي عبّر عنه في الآية بالقنطار ،والقنطاركما سبق يعني المال الكثير وقد جاء في المفردات للراغب: أنّ القنطار جمع القنطرة ،والقنطرة من المال ما فيه عبور الحياة تشبيهاً بالقنطرة{[736]} .
لأن المفروض أن تطليق الزوجة الأُولىهنايتمّ لأجل مصلحة الزوج ،وليس لأجل انحراف الزوجة عن جادة العفاف والطهر ،ولهذا لا معنى لأن تهمل حقوقها القطعية .
ثمّ إِنّ الآية تشير في مقطعها الأخير إِلى الأُسلوب السائد في العهد الجاهلي حيث كان الرجل يتّهم زوجته بالخيانة الزوجية لحبس الصداق عنها ،إِذ تقول في استفهام إِنكاري: ( أتأخذونه بهتاناً وإِثماً مبيناً ) أي هل تأخذون صداق الزوجة عن طريق بهتهنّ ،واتهامهنّ بالفاحشة ،وهو إِثم واضح ومعصية بيّنة ،وهذا يعني أن أصل حبس الصداق عن الزوجة ظلم ومعصية ،والتوسل لذلك بمثل هذه الوسيلة الأثيمة معصية أخرى واضحة ،وظلم آخر بيّن .
ثمّ أضاف سبحانهفي الآية الثانية من الآيتين الحاضرتينوضمن استفهام إِنكاري بهدف تحريك العواطف الإِنسانية لدى الرجال بأنّه كيف يحق لكم ذلك ،وقد عشتم مع الزوجة الأُولى زمناً طويلا ،وكانت لكم معهنّ حياة مشتركة ،واختليتم بهن واستمتع كل واحد منكما بالآخر كما لو كنتما روحاً واحدة في جسمين ،أفبعد ما كانت بينكما هذه العلاقة الزوجية الحميمة يحق لكمأيّها الأزواجأن تبخسوا حق الزوجة الأُولى ؟وقد لخصّ سبحانه كل هذه بقوله: