قوله تعالى: ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) .
إذا أراد الرجل مفارقة زوجه من خلال طلاق لينكح غيرها من النساء فليس له أن يأخذ ما كان أصدق الزوجة الأولى شيئا وإن كان أصدقها بما يبلغ القنطار وفيه دلالة على جواز الإكثار من المهر بغير تحديد .مع أن الإقلال والتيسير في المهور أحب إلى الله ورسوله .
وعلى أية حال فإنه ليس للمهر من حد أعلى .وقصة عمر بن الخطاب في هذا الصدد مشهورة ومستفيضة فقد روى الإمام أحمد عن أبي العجفاء أن عمر – رضي الله عنه- قد ركب منبر رسول الله ( ص ) ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صدق النساء ( بفتح الصاد وسكون الدال ) وقد كان رسول الله ( ص ) وأصحابه والصدقات ( بضم الدال ) فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك .ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها .فالأعرف ما زاد رجل في صدق امرأة على أربعمائة درهم .ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم .قال: نعم فقالت: أما سمعت ما أنزال الله في القرآن .قال: وأي ذلك ؟فقالت: أما سمعت الله يقول: ( وآتيتهم إحداهن قنطارا ) فقال عمر: اللهم غفرا ،كل الناس أفقه من عمر .ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهم على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب .وقيل: لا ينبغي أن يفهم من الآية جواز المغالاة في المهور .لأن التمثيل بالقنطار جاء على سبيل المبالغة .بل يستفاد من الآية منع المغالاة في المهور .والقول بجواز المغالاة هو الراجح والصواب لحصول ذلك من كثير من الصحابة من غير إنكار .
قوله: ( أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ) بهتانا هنا حال منصوب .وإثما معطوف على ما قبله ،والبهتان معناه افتراء الكذب{[717]} .والهمزة استفهام إنكار وتوبيخ .أي أتأخذون باهتين وآثمين وفي الآية ما يفيد بأن استرجاع الصداق أو جزء منه من المرأة بعد فراقها لهو أخذ للمال بغير حق وهو في منزلة الافتراء والكذب اللذين نهت عنهما الشريعة بشدة .وكذلك فإن أخذ الصداق على هذه الصورة لهو إثم واضح مكشوف لا يحتمل أي تبرير .