{ وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من اهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا} هذه حال ثالثة للحياة الزوجية ، وهي حال خوف الشقاق ، وهي غير حال خوف النشوز ؛ لأن خوف النشوز يكون والزوجة في بيت زوجها له نوع سلطان عليها ، وهناك مودة بينهما ، فتكون تلك المودة من سبل العلاج ، ولذلك كان من العلاج الهجر الجميل ، إذ لا يصلح عقابا إلا عند قيام المحبة ، اما الشقاق فإنه يكون عندما تنشعب المودة ، ويكون كل واحد من الزوجين في شق ، وهذه حال لا يتولى إصلاحها الزوج ؛ لأن القلوب تنافر ودها ، ولهذا كان العلاج لا بد ان يكون من طريق آخر ، وقد بينه الله تعالى بقوله:{ فابعثوا حكما من أهله وحكما من اهلها} ، والبعث معناه الإثارة ، وهو هنا الإثارة مع التخير ؛ لأنه ليس كل إنسان يصلح طبيبا معالجا للنفوس المتنافرة ، والحكم من له حق الحكم والفصل ، وعمل الحكم يتجه إلى احد أمرين:احدهما الإصلاح بينهما ورد النفوس الشاردة إلى مستقر الحياة الزوجية ، وإن ذلك يقتضي ان يكون عند الزوجين نية إزالة الخلاف او على الأقل لا يمانعان فيه ، ولذا قال تعالى:{ إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما} أي إذا كان كلا الزوجين مع وجود النفرة يرغب في إزالتها . فإن الله موفق بينهما ، بان يجعل كل قلب يلتقي مع الآخر ، والتوفيق يقتضي ان يفتح كل واحد جزءا من قلبه ليدخل فيه او يلتحم معه القلب الثاني .
والأمر الثاني التفريق بينهما ، وقد كان الخلاف بين الفقهاء في جوازه ، فقال ابو حنيفة والشافعي ؛ لا يجوز ذلك إلا بتوكيل من الزوج ، لأن النص بين ان عملهما في الإصلاح ، فإن عجزا عنه فقد انتهت مهمتهما ، ولأن الطلاق حق الزوج وحده ، ولا يتولاه غيره إلا بالنيابة عنه ، وقال مالك واحمد:لهما التفريق إن عجزا عن الإصلاح ؛ لأن الله تعالى سماهما حكمين ، والحكم هو الذي يحسم الخلاف ، فإن عجزا عن الإصلاح حسما الخلاف بالتفريق ، ولأن عليا – رضي الله عنه –عندما بعث حكمان لحسم الخلاف بين عقيل بن أبي طالب وامرأته قال:أتدريان ما عليكما ؟ إن عليكما إن رأيتما ان تفرقا فرقتما ، وإن رأيتما ان تجمعا جمعتما . وعلي أحق من فسر القرآن . وبعث الحكمين يكون بأمر القاضي ، والبعث يكون عند خوف الشقاق ؛ لأن الشقاق يكون بالانفصال التام ، والخوف قبله . وقد ذيل الله الآية الكريمة بقوله تعالت كلماته:{ إن الله كان عليما حكيما} أي أنه متصف بصفة العلم الدقيق المحيط الذي يعلم أحوال النفوس وطرق علاجها ، ويعلم ما يقوم به الناس ، ويعلم ما تخفي الصدور ، وعنده الجزاء والعقاب وهو على كل شيء قدير .