وقد بين الله سبحانه وتعالى حقيقتهم بأوصافهم ، وذكرها سبحانه وتعالى صفة صفة ، فقال:
{ والذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله} وإن من صفة هؤلاء المختالين انهم بخلاء ، ويحرضون الناس على البخل ، ويكتمون ما أعطاهم الله من فضله . والبخل ان يضن الشخص في مواضع الخير ، فليس البخل مرادفا للاستمساك بالمال ؛ إذ أن الإنفاق في الشر والضن على الخير يسمى بخلا في لسان الشرع والعقل ، كما ان الإنفاق في سبيل البر مهما يكثر لا يكون إسرافا ، فتبرع أبي بكر بكل ماله في الحرب لا يسمى إسرافا ، ومثل ذلك تبرع عمر رضي الله عنه بالشطر من ماله ، وكذلك تبرع عثمان بالأموال الضخمة للمسلمين ، ولهذا روى عن عبد الله بن عباس:"درهم في الشر إسراف وألف في الخير ليس بإسراف"فلا غرابة إذن إذا وجدنا المختالين ينفقون الألوف في المظاهر والاستعلاء ، ومع ذلك وصفهم الله تعالى بالبخل ، ولا تناقض بين وصفهم بالبخل ، وكونهم مثل الذين ينفقون رئاء الناس ؛ لأن كلا الوصفين ينبع من نفس واحدة ، وهي الشح في الخير .
ودأب هؤلاء ان يبخلوا وان يحرضوا على طريقهم الذي سلكوه ، ويسخروا ممن يؤثرون على انفسهم ، ولو كان بهم خصاصة ؛ لنهم في طبيعتهم لا يحسون إلا بأنفسهم ، ولا يؤمنون بحق الغير عليهم .
وقوله تعالى:{ ويكتمون ما آتاهم الله من فضله} ، والمراد بها كتمان المال في موضع البر ، فهم أشحة على الخير يحسبونه مفنيا لمالهم ، فيكتمون ما أعطاهم الله من مال بفضله ، وعلى هذا سار بعض المفسرين ، وحجته ان الكلام في المال ، فالكتمان فيه .
وقال آخرون:إن المراد كتمان العلم الذي أوتوه بفضل الله عليهم ، وإرسال رسل كثيرين فيهم ، ويكون النص في اليهود لأنهم يتصفون بكل هذا ، ويرشح لذلك قوله تعالى في ختام الآية:{ واعتدنا للكافرين عذابا مهينا} وأرى ان يفسر الكتمان تفسيرا عاما يشمل العلم والمال .
وقوله تعالى:{ وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}معناه:وهيأنا للجاحدين لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولوحدانية الله تعالى عذابا يهينهم ويذلهم ، فإذا كانوا قد استكبروا وطغوا واستعلوا واختالوا في الدنيا ، وهي متاع قليل ، فالذل الدائم والهوان المستمر لهم في الآخرة .
وتعقيب هذا النص السامي للأوصاف السابقة يشير إلى تلك الأوصاف أوصاف الكافرين الجاحدين بنعيم الله ، لا أوصاف المؤمنين المقربين بأنعمه ، وقد وصف سبحانه أمثال هؤلاء بقوله:{ والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} .