{ والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} الرئاء مصدر راءى يرائى مراءاة ورياء ، ورئاء ، وهو أن يعمل العمل ، أو ينفق المال يظهر للناس أنه يقصد الخير ، وهو يقصد بذلك الظهور أمام الناس والشهرة بالخير ، وهو من صنف مماثل للبخلاء أو هو منهم ، لأنه ينفق لنفسه لا لغيره ، فكأن أولئك المختالين الفخورين صنفان:صنف لا ينفق على الناس قط ، ولا يعين بأي نوع من العون في طريق البر ، وصنف يعطى في سبل النفع ، ولكن لا يقصد وجه الله تعالى ، بل يقصد ما عند الناس ، من رجاء محمدة ، أو تفاخر ، أو استعلاء ، أو طلب جاه لدى ذي جاه ، كأولئك الذين ينفقون النفقات العظيمة ، ويتصدقون بالصدقات الكبيرة ، تملقا لذوي الجاه ، أو رجاء لما عندهم ، وإن هذا النوع يكون إنفاقه إلى بوار عليه ، ولا ثواب عليه ، ولو كان من أهل الإسلام .
وقد قال عليه الصلاة والسلام في المرائين الذين ينفقون رياء:"يقول صاحب المال يوم القيامة لربه:ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت في سبيلك ، فيقول الله تعالى:كذبت إنما أردت أن يقال جواد ، فقد قيل"{[731]} .
وقد ذكر سبحانه بجوار الإنفاق رياء عدم الإيمان ، فقال في أوصافهم{ ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} وهذا وصف يعم الذين يراءون ، ويشمل الكافرين ، وهو حقيقي في الكافرين الذين لا يذعنون للحق ، فيؤمنون بالله واليوم الآخر ، ودائم معهم بدوام كفرهم ، وبالنسبة للمرائين من أهل القبلة ثابت لهم وقت رئائهم ، لأن من يتصدق راجيا ما عند العباد من جاه أو ملق أو استعلاء ، لا يؤمن بحق الله عليه وقت تبرعه ، ولا يؤمن بأن وجه الله هو الذي يقصد ، ولا ينظر إلا إلى متاع الدنيا ، ولا يؤمن في عمله هذا باليوم الآخر ، ولو كان يؤمن بالله في عمله هذا لقصد وجهه الكريم ، وما يكون من ثواب مضاعف على فعله ، وإن هذا كله من عمل الشيطان .
{ ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا}الشيطان هنا كل ما يحرض على الشر من وسوسة نفس ، وصاحب مفسد ، ومن تسلط على عباد الله تعالى لإغوائهم ، وفي النص القرآني إيجاز بالحذف معجز ، إذ المعنى:وقد دفع هؤلاء إلى الرياء في إنفاقهم وإلى البخل والكتمان قرناء السوء من شياطين الإنس والجن ، والقرين هو الصاحب الملازم الذي يخلط نفسك بنفسه ، ويقرنها بها حتى تصيرا كأنهما شيء واحد ، ومعنى قوله:{ ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} من يكن الشيطان صاحبا ملازما له قد اختلط به ومازج نفسه ، فما أسوأه من قرين محرض على الشر يدفع إليه بصحبته ، وملازمته وإغوائه ، والعدوى التي تسري إليه . وفي النص إشارة إلى أن قرناء السوء يفسدون الأخلاق ، لأن عدوى الأخلاق تصل بالمجاورة كما تصل عدوى الأمراض .