{وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئَآءَ النَّاسِ ...} وهذه صفة بعض النماذج المنحرفة من هؤلاء المختالين الفخورين الأنانيين ،فقد تمر بهم بعض حالات العطاء ،ولكن لا لتكون مظهراً من مظاهر النفس الطيّبة الكريمة ،بل لتكون مفتاحاً لحركة الذات في خط المصالح الشخصية الأنانية ،فهم ينفقون أموالهم رياءً ،ليراهم الناس وليمدحوهم وليرضوا بذلك غرورهم وكبرياءهم ويظهروا بمظهر المحسنين الكرماء الكبار الذين يقفون في الدرجة العليا من السلم الاجتماعي الكبير ؛فهم يتصدّقون على المحتاجين من أموالهم من موقع الرفعة والعظمة والكبرياء ،وليحصلوا من خلال ذلك على بعض الامتيازات الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية ،عندما يوظفون هذا العطاء في مجال الدعاية والإعلام ،لخدمة تلك المواقع والامتيازات ،وللقفز منها إلى مواقع جديدة متقدمة .وبذلك لا يكون الإنفاق عمليةً أخلاقيةً ،بل يتحول إلى عملية تجارية تبحث عن البدل لما تدفعه ،وتفتش عن الربح في ما تنفقه .وهذا ما نراه في بعض البلاد التي يندفع فيها بعض الأغنياء للإنفاق بمستوى الملايين على المؤسسات الخيرية والتربوية ،لأن ذلك يعفيهم من دفع الضرائب التي تزيد كثيراً على ما ينفقون ،ويحقق لهمبالتاليوضعاً اجتماعياً مميزاً ،ويثير حولهم هالة كبيرة من المدح والثناء الذي لا يستحقونه .
{وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخر ...} فإن مثل هذا الإيمان يفرض على الإنسان أن يحسب حساب الرغبة في القرب من الله ،والنجاة في اليوم الآخر ؛مما يدعوه إلى أن يجعل كل غايته في عمله هو رضا الله ،وينطلقعلى أساس ذلكفي حياته للحصول على النتائج العملية التي تحقق هذا الهدف .
{وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً} كيف يكون الشيطان قريناً للإنسان ؟إن الظاهر ورود ذلك على سبيل الكناية ،في انطلاق الإنسان في حياته من خلال الأفكار الضالة المنحرفة ،والأخلاق الذميمة السيئة ،والأهداف الضيّقة المحدودة ،التي تجعله ينسى الله ويستسلم للدنيا في شهواتها المحرّمة ولذائذها الفانية .وهكذا تتمثل المسألة في العلاقات الإنسانية المرتكزة على قاعدة الضلال ،من خلال ما يعيشه الإنسان من علاقاته بالكافرين والمنافقين والفاسقين والضالين ،الذين يزينون له سوء عمله فيراه حسناً ،ويغيّرون له طريقة تفكيره ليبتعد بذلك عن الإيمان والخير والصلاح .ولما كان ذلك كله من تسويلات الشيطان ،من خلال ما يزينه للإنسان من شؤون الضلال وعلاقاته ؛كان التعبير القرآني بمصاحبته للشيطان الذي هو القرين السيّىء لكل أصحابه ،وأيّ سوء أعظم وأفظع من الوقوع في جهنم وساءت مصيراً .