{ أم لهم نصيب من الملك}
/م49
( أم ) هنا تفيد الانتقال في القول من التعجب من حالهم في ممالأة المشركين إلى بيان حالهم العجيب إذا أوتوا أي حظ من السلطان والحكم ، والمعنى:أثبت أنهم إذا كان لهم حظ من الملك والسلطان ولو كان ضئيلا يحكمون بالعدل ، ويقومون بالقسطاس المستقيم ؟ والاستفهام لنفي الوقوع ، وهو نفي لوقوع العدل منهم إذا أعطوا أي حظ من الحكم ، ذلك لأن المنافق لا يمكن أن يكون عادلا ؛ لأن العدل والالتواء نقيضان لا يجتمعان ، ولأنهم أهل هوى ، ولا عدل مع سيطرة الهوى ، ولأنهم غلبت عليهم عصبية دينية جامحة ، وكل حكم يصدر من التعصب لا يكون عدلا بالنسبة لمن تعصب عليه . ولذا قال سبحانه فيهم إذا حكموا:
{ فإذاً لا يُؤتون الناس نقيرا} النقير العلامة السوداء الصغيرة التي تكون في ظهر النواة ، وهي الثقبة التي تنبت منها النخلة ، ويضرب بها المثل في الشيء الصغير البالغ أقصى حدود الصغر . والمعنى:إذا تولى هؤلاء نصيبا من الملك والسلطان ، فإنهم لا يعطون الناس أي قدر من حقوقهم عليهم ، ولو كان ضئيلا بالغا أقصى حدود الضآلة ؛ ذلك لأن العادل يكون حكمه لمصلحة المحكومين ، لا لمصلحته . وهؤلاء لا ينظرون إلى منافعهم الذاتية . ولأن العادل يحس من الناس له ما لهم وعليه ما عليهم ، وهؤلاء يظنون أنهم صنف في الخليقة ممتاز ، وأنهم أبناء الله وأحباؤه ، والناس جميعا دونهم . ولأنهم يبغضون الناس جميعا ؛ لأنهم يظنون أنهم سلبوهم حقوقهم ، بمقتضى ما لهم من امتياز بمقتضى التكوين . فهم بهذه الأهواء الواهمة عادوا الناس وأبغضوهم ، ويحسبون أنفسهم في حرب مستمرة من البشر ! أنقذ الله أهل الإسلام من شرهم ، وأرداهم هم ومن يعاونونهم على الغي والظلم والفساد ، والله من ورائهم محيط .