{ ودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء}
/م88
وإن هؤلاء الذين تتمنون هدايتهم أو تحكمون بها عليهم ، أو ترجونها لهم ، يتمنون أن تكفروا كما كفروا ، بحيث تكونون أنتم على سواء ؛ ومن تكون هذه حاله لا يعد مسلما ، ولا يحكم عليه بأن نور الإسلام دخل قلبه ، فهو لا يريد أن تجتمعوا معه على هدى ، بل يريد أن تكونوا معه على ضلالة ، فإذا كانوا يريدون الاتصال بكم اتصال مودة ، فعلى أساس الكفر لا على أساس الإيمان ، وإذا كونوا كذلك ، فلا يصح أن تتخذوا منهم أنصارا ، أو ترتبطوا معهم بمودة أو صلة ، ولذا قال سبحانه وتعالى بعد ذلك:{ فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله} الولي يطلق بمعنى المناصر ، ويطلق بمعنى المحب الودود ، والنهي منصب على الاثنين ، فإنه لا يصح للمؤمنين أن يتخذوا أولياء من هؤلاء المنافقين ، الذين يظهرون الإسلام وهم مقيمون في ديار الأعداء يناصرونهم ، وقوتهم لهم على المسلمين فكيف يكونون مع هذه الحال نصراء أهل الإيمان ! ! وإذا كان لا يصح أن يتخذوا منهم نصراء ، فإنه لا يصح أن يقال إنهم منتمون للدولة الإسلامية ، لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما على المسلمين ، ولا يجوز لهذا أن يضموا إليها .
وإنه لا يصح أن يربط بعض المؤمنين معهم مودة ، لأنهم ببقائهم في ظل الكفر ، وقوتهم له ، يكونون في ضمن من يحادون الله ورسوله ، والله تعالى يقول:{ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم( 22}( المجادلة ) .
وإن أمر القلوب بيد الله سبحانه وتعالى ، فلا يصح أن تحكموا عليهم بالإيمان حتى تظهر أماراته ، وتبدو معالمه ، وإن مظهره الحقيقي في هذا النوع من الناس هو أن ينضموا إلى جماعة المؤمنين بالهجرة إليهم ، لتكون قوتهم للمؤمنين لا عليهم ، ولذا قيد سبحانه وتعالى ترك ولايتهم بغاية ، وهي الهجرة ، فقال:{ حتى يهاجروا في سبيل الله} بأن يخرجوا في سبيل الله تعالى مجاهدين مع المؤمنين ومناصرين ومؤيدين لهم .
{ فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا} أي فإن أعرضوا عن الهجرة ، وهي واجبة ، فلا تعتبروا إسلامهم ، لأنهم لا يزاولون قوة عليكم ، وخذوهم من نواصيهم بالأسر والترصد لمتاجرهم وأموالهم حتى لا يتخذوا من ذلك ذريعة لتقوية أقوامهم ، واقتلوهم حيث وجدتموهم ، لأنهم أعداء بمعاونتهم أعداء المؤمنين ، وإذا كانوا يستطيعون الخروج بمتاجرتهم وغيرها ، فإنهم يستطيعون الهجرة إليكم ليكونوا قوة لكم ، والهجرة واجبة ، وإذا كانوا معكم في حال قتال كمن ينتمون إليهم ، فلا تقبلوهم في ولايتكم ، ولا توادُّوهم ولا تتخذوا منهم نصراء ، لأن النصير هو الذي يعاونك ويكون معك على أعدائك وليس هؤلاء منهم ، فقوله تعالى:{ ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا} ، يدل على النهي عن أمور ثلاثة:أولها- ألا يعتبروهم منهم بالولاية والانتماء ، لأنهم لم يعملوا على الانضمام لجماعة المؤمنين . وثانيها- ألا يوادوهم لأنهم يحادونهم إذ يحادون الله ورسوله ، وهو بهذا من حزب الشيطان ، لا من حزب الله تعالى وثالثها- ألا يتخذوا منهم نصراء ، لأنهم سيخادعون ، ومن كانت هذه حالهم لا يؤتمنون ، فنصرهم خذلان ، والاستعانة بهم استعانة بغير أهل الإيمان .
وإن السياق يدل عل أن المنافقين الذين تتحدث عنهم الآية- وإن كان اللفظ عاما- هم من الذين يظهرون الإسلام في قبائلهم ، ولا يخرجون إلى المسلمين ليكونوا معهم فإن زمان إنشاء الدولة الإسلامية يحتاج إلى التجمع ، ليكون المؤمنون قوة واحدة ، كما قال تعالى:{ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص( 4 )}( الصف ) .
والخلاصة أن أولئك المنافقين يعاملون معاملة الذين ينتمون إلى دولة أخرى ، فإذا كانت دولتهم تقاتل المؤمنين قوتلوا وقتلوا ، وإن كانت دولتهم تسالم المؤمنين بميثاق ، فلا يقاتلون احتراما للعهد والميثاق ، ولذا قال تعالى:{ إلا الذين يَصِلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} .