/م88
{ ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} أي أن هؤلاء المنافقين الذين ترجون نصرهم لكم وتطمعون في هدايتهم ، ليسوا من الكفار القانعين بكفرهم ، الغافلين غيرهم ، بل هم يودون لو تكفرون ككفرهم وتكونون مثلهم سواء ، ويقضي على الإسلام الذي أنتم عليه ويزول من الأرض .
ومن مباحث اللفظ في الآيات أن الفاء في قوله تعالى:{ فتكونون سواء} للعطف لا للجواب كقوله:{ ودّوا لو تدهن فيدهنون} [ القلم:9]
{ فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله} أي فلا تتخذوا منهم أنصارا لينصروكم على المشركين حتى يهاجروا إليكم ويتحدوا بكم ، لأن المؤمن الصادق لا يدع النبي ومن معه من المؤمنين عرضة للخطر ولا يهاجر إليهم لينصرهم إلا للعجز ، فترك الهجرة مع القدرة عليها دليل على نفاق أولئك المختلف فيهم .
والأستاذ الإمام يقدر هناحتى يؤمنوا ويهاجروا"وكانت الهجرة لازمة للإيمان لزوما بينا مطردا فلذلك استغنى بذكرها عن ذكره إيجازا ".ومن جعل الآيات في المنافقين في الدين من أهل المدينة وما حولها جعل المهاجرة هنا من باب حديث ( والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ){[565]} وهو بعيد جدا .ومعنى الحديث أن المهاجر الكامل من كان كذلك .
ويرد ما قالوه كما سبق التنبيه إليه، قوله تعالى:{ فإن تولوا} أي أعرضوا عن الإيمان والهجرة .
{ فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليّا ولا نصيرا} ولا يجوز بحال أن يكون المراد أن الذين لا يهجرون ما نهى الله عنه يقتلون حيث وجدوا، وما سمعنا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قتل أحدا من المنافقين في الإيمان بذنبه، بل كان يهم الرجل من أصحابه بقتل المنافق فيمنعه وإن ظهر المقتضي لئلا يقال إن محمدا يقتل أصحابه .ولا يظهر هذا التعليل في أولئك المنافقين الذين كانوا بمكة ينصرون المشركين ، وأما المنافقون في الولاء فالأمر بقتالهم أظهر فقد كانوا يعاهدون فَيَفِي لهم المسلمون وهم يغدرون ، ويستقيم المسلمون على عهدهم وهم ينكثون ، ولم يأمرهم الله تعالى بمعاملتهم بما يستحقون إلا بعد تكرار ذلك منهم ، لأنه تعالى جعل الوفاء من صفات المؤمنين بمثل قوله:{ الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} [ الرعد:22] وأكد حفظ ميثاقهم حتى أنه حرم نصر المؤمنين غير الذين مع رسوله عليهم بقوله:{ والذين آمنوا ولم يهاجروا وما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ، وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق} [ الأنفال:72] وقد بين أحكامهم وأحكام أمثالهم مفصلة هنا، وفي أول سورة التوبة، وهي صريحة في علة الأمر بقتالهم وهي غدرهم وتصديهم لقتال المسلمين ، وقد جعل هذه العلة من قبيل الضرورة تقدر بقدرها ، ولذلك عقب نهيه عن اتخاذ ولي أو نصير منهم بقوله .