الاتباع يكون عن بينة( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ 116 إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ 117 )
إن قوة الحق ليست بكثرة من يقولون وإنما قوته بقوة دليله فلا تطع الأكثرين لأنهم الكثرة بل أطعمهم لقوة ما عندهم من دليل فالآية تدعو إلى اتباع العقل والمنطق واليقين وليس اتباع الكثرة لأنها كثرة وقد ذكر الله تعالى عن كثرة ضلت وقلة اهتدت فقال تعالى مثلا لذلك:( ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين 71 ) ( الصافات ) وقال تعالى:( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين 103 ) ( يوسف )
.و لقد قال تعالى في الآية التي نتكلم في معناها:
( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ )
هذه الآية تدل بجملتها وظاهر ألفاظها أن الله تعالى يقول لنبيه الامين:إنك تضل لو أطعت من في الأرض واتبعت كثرتهم وإذا أريد بالأرض أرض المشركين من بلاد العرب فالمعنى يكون محدود بحدود الكثرة العربية الذين كانوا وفي ذلك الوقت المشركين فإن تطع أكثرهم يضلوك عن سبيل الله تعالى لأنهم مشركون والشرك ضلال فان أطعهتم دخلت في ضلالهم ويكون معنى القول نهى لمن مع النبي صلى الله عليه وسلم من أن يتبعوا المشركين في ضلالهم لأنهم الأكثرون فالكثرة لا تعطي الدليل قوة ، ولا تتبع اليقين دائما بل إن أقوالهم تعتمد على الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ولذا قال تعالى:( إن يتبعون إلا الظن 23 ) ( النجم ) و ( ان ) هنا نافية بمعنى ( ما ) أي إنهم لا يتبعون إلا الظن فيظنون الأمر ظنا ، ثم يعتقدونه اعتقادا كما قال تعالى عن أمثالهم:( إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين 32 ) ( الجاثية ) وأكد هذا ببيان طريق ظنهم فقال تعالى ( وإن هم إلا يخرصون ) والخرص مأخوذ من خرص النخل ليعرف ما تحمل من بلج فيقال:خرص النخل يخرصه إذا حزره ولا يمكن أن تكوننتيجة الخرص علما قطعيا تبنى عليه عقيدة أو يؤخذ به رأى سليم في أي أمر من الأمور وأقصى ما ينتهي إليه ظن لا قطع فيه .
فالمعنى:إن هم إلا يظنون وإن هم في سبيل ذلك لا يتبعون إلا الخرص الذي لا ينتهي إلى يقين قط .
هذا الكلام خرجنا ه على أن الأرض المراد بها ارض الشرك ويكون المقصود طاعة المشركين ولكن الأرض لو يراد منها الأرض الواسعة أرض الله تعالى ويكون المراد إن تطع الناس فيما يرون ويبتغون يضلوك عن سبيل الله تعالى ، وليس الحق دائما مع الكثرة ، بل قد تكون الكثرة على غير الحق بل انه ثبت من التحليل للعقلية الجماعية أنها لا تدرك ما يدركه المتفكر في خاصة نفسه وذلك لان الجماعات تغلب عليها العاطفة الجماهيرية ولا يكون مجال لتمحيصها ولعل هذا هو ما يرمي إليه النص القرآني في وصف تفكير أكثر من في الأرض إذ يقول سبحانه ( ان يتبعون الا الظن وإن هم إلا ليخرصون ) .
ومهما يكن فان الآية الكريمة تدل على أمرين:
( أولهما:أن الاتباع عن غير بينة لا يجوز بل إنه يجب النظر والبحث وأن اتباع الجماعات من غير دراسة لا يجوز وأن الجماعات يغلب على تفكيرها الحدس والتخمين ولا يسودهاالتفكير والدرس العميق والمنطق السليم .
ثانيهما:أن قوة الآراء ليست بكثرة معتنقيها وإنما بقوة ما فيها من دليل ، وإنه يترتب على ذلك أن التقليد لا يجوز .
وقد يقول قائل إن الكثرة تغلب في الآراء عند الشورى فلا يغلب رأى القلة وإن كان معقولا ، فكيف رأى الكثرة غير صحيح .
ونقول في الإجابة عن ذلك:إن أساس الشورى الرضا بالعملورأى الكثرة اتباعه هو الدليل على النزول على رضا الجماعة والنبي صلى اله عليه وسلم نزل على رأى الكثرة عند الشورى في حرب احد ولو كان رأيه غير ذلك .