/م116
قال عز وجل:{ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ} هذه جملة معطوفة على ما قبلها متممة له فإنه بين فيما قبلها وحي شياطين الإنس والجن الذي يلقونه لغرور الناس به وصغى قلوب منكري الآخرة له وافتتانهم به ، وما يقابل ذلك من هداية وحي الله المفصل لكل ما يحتاج الناس إليه من أمر دينهم الذي يترتب عليه صلاح دنياهم فهو تعالى يقول لرسوله لا تبتغ أنت ومن اتبعك حكما غير الذي أنزل إليك الكتاب مفصلا فهذا الكتاب هو الهداية التامة الكاملة فادع إليه الناس كافة{ وإن تطع أكثر أهل الأرض يضلوك عن سبيل الله} التي بينها لك فيه ، لأنهم ضالون متبعون لوحي الشياطين .
{ إن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} أي ما يتبعون في عقائدهم وآدابهم وأعمالهم إلا الظن الذي ترجحه لهم أهواؤهم وما هم فيها إلا يخرصون خرصا في ترجيح بعضها على بعض كما يخرص أهل الحرث ثمرات النخيل والأعناب وغيرها ويقدرون ما تأتي به من التمر والزبيب ، فلا شيء منها مبني على علم صحيح ولا ثابت بدلائل تنتهي إلى اليقين .
وهذا الحكم القطعي بضلال أكثر أهل الأرض ظاهر بما بينه به من اتباع الظن والخرص ولا سيما في ذلك العصر تؤيده تواريخ الأمم كلها فقد اتفقت على أن أهل الكتاب قد تركوا هداية أنبيائهم وضلوا ضلالا بعيدا وكذلك أمم الوثنية التي كانت أبعد عهدا عن هداية أنبيائهم رسلهم وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وهو أمي لم يكن يعلم من أحوال الأمم إلا شيئا يسيرا من شؤون المجاورين لبلاد العرب خاصة .