انتهت محاجة إبراهيم لقومه الذين كانوا يعبدون الأوثان والكواكب والنجوم ، وقد كانت محاجة بين حكم عقل ، وحكم الأصنام وانتهت المحاجة ببيان أن الأمن والهداية في جانب الحق ، ولقد قال سبحانه وتعالى إن حجة إبراهيم هي حجة العقل وهي الجديرة بأن تنسب إلى الله ، ونسبها الله سبحانه وتعالى إليه . فقال تعالى:
الإشارة في قوله:( وتلك حجتنا ) هي الإشارة للبعيد ، وهي تبتدئ من وقت أن جن الليل فرأى كوكبا فظنه ربه ، ثم لما أفل نفر منه ، وأنكر أن يكون ربا ، ولما رأى القمر بازغا ظن هذا ربه فلما أفل أحس أنه ضال إذ يتبع النجوم والكواكب في أفلاكها ثم رأى الشمس فبهره ضياؤها وحجمها ، فظنها ربه فلما افلت علم أن ربه ليس كوكبا ولا نجما مهما يعظم حجمه ، وأن ربه هو خالق الشمس والنجوم والوجود كله ثم من بعد ذلك حاجه قومه فأفلج عليهم ، الإشارة إلى كل هذا فكانت للبعيد ، ولعظم الفكر وقوة الاستدلال مع البعد كانت الإشارة للبعيد وأضاف الله سبحانه وتعالى الحجة إلى ذاته العلية إعلاء لمكانتها ولصدقها وتشريفا لمن أجراها على لسانه وقلبه ، وقوله تعالى:( آتيناها ) أي أعطيناها له بإلهام الفطرة السليمة والعقل الحنيف الذي لا يميل الا للحق ، ولا يتجه إلا إليه وكانت هذه حجة قوية ، أفلج{[1030]} بها على قومه ، وقامت حجة عليهم فيما يفعلون ويتوهمون ، ويزعمون ثم يعتقدون الباطل الذي ليس فيه حق ، ولا شبهة حق ، انما البهتان العظيم ، والظلم العظيم للحقائق .
وإن الاله تعالى اختار إبراهيم ابا الأنبياء لتقوم به الحجة لأنه لم يخلق الناس في الفكر والعلم على سواء فمنهم الهادي المرشد الذي اختاره الله تعالى ليكن رسول الحق إلى الناس ، ورسوله إليهم ، ومنهم الضال الذي يطلب الهداية ومنهم من أركس في الشر ، وختم الله على بصيرته وسمعه وبصره ، فلا يدرك حقا ، ولا يستمع لداعي الحق ، ولذا قال تعالى:( نرفع درجات من نشاء ) الدرجات المراتب العالية في الهداية والتوفيق وعبر سبحانه وتعالى بالمضارع ( نرفع ) لتجدد الرفعة المستمرة ، فالوجود الإنساني يستمر الخير فيه بوجود الهداة المرشدين والمستمعين الأخبار الذين يستمعون فيقولون سمعنا وأطعنا وبجوار هؤلاء أولئك الذين يستمعون طيب القول فيقولون سمعنا وعصينا ، وبذلك يتفاعل الخير والشر في هذه الحياة ، وسيق لبيان العاقبة للمتقين قال تعالى:( يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب 269 ) ( البقرة ) .
وقد ختم الله تعالى الآية بقوله تعالى:( ان ربك حكيم عليم ) إن الله الذي رباك وقام على نفسك وعلى عقلك وهدى الأنفس فجورها وتقواها ، وعلمك ما لم تكن تعلم عليم بكل شيء ، حكيم يضع كل شيء بميزان وله فيما يشاء ويختار الحكم والعبر البالغات تبارك الله رب العالمين .