ثم قال تعالى:{ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ( 198 )} .
الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، والمتحدث عنهم المشركون فإنهم مع هذه البراهين ومع هذه الأدلة الحسية التي تفيد أنها لا تضر ولا تنفع ، وأنها دون من يعبدها حسا ومشاهدة ، وأنهم لا ينصرون أحدا ولا ينصرون أنفسهم ، مع كل هذا عاكفون على أصنامهم يعبدونها ، وإذا سمعوا دعوة الحق أعرضوا عنها ولذا قال تعالى:{ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ} أي لا يسمعوا سماع وعي وإدراك وتأمل ، بل هم معرضون ، وشبهت حالهم في عدم تدبر القول ، وتعرف ما فيه بعدم السماع ، باعتبار أن سماعهم الحسي لا جدوى فيه ، إذ لا يتدبرون ، بل على قلوبهم أقفالها ، وصور – سبحانه وتعالى – حالهم فقال عز من قائل:{ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} ، أي أنهم بعد أن يستمعوا إلى الهدى مشدوهين متحيرين ، يأخذهم نور الحق حيث يفكرون ويتدبرون ولكن لا يلبثون أن يغلبهم التقليد وزيف الباطل ، فيترددون وتصيبهم حيرة بين ماض ألفوه ، وحق بزغ نوره فغلب ضياؤه فعميت أعينهم عن أن ترى .
وقد صور الله – سبحانه وتعالى – بهذه الجملة السامية{ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} ، أي تراهم ينظرون إليك ، وما تدلي به من بينات باهرة ، وأمارات للحق ظاهرة ،{ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} ، أي إبصار تأمل وتدبر في آياته ، فهم المبصرون الذين لا يرون ، والناظرون الذين لا يعرفون ما ينظرون إليه ، فهم في حيرة أدت إلى ضلالهم .
وهذا استعارة تمثيلية ، فقد شبهت حالم التي يلوح لهم فيها الحق ولا يعرفونه ، ويبرق لهم النور ولا يعرفونه ، بحال الذين ينظرون ولا يبصرون ، لأنها رؤية لا ترى الحق ولا تضيع أيديهم عليه ، فهم في ضلال مبين ، والله – سبحانه وتعالى – يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .