{198 - وَأن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} .
تكرر هذا المعنى في القرآن الكريم ،وهذا التكرار للتأكيد ،وهو مطلوب ؛لاقتلاع جذور الشرك التي تأصلت في المشركين .
فهذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله لا تعقل شيئا ،ولا تفرق بين خير وشر ،فإذا دعاها داع إلى ما فيه خير وهداية ،لم تسمع ولم تعقل ،ولم تعرف ما هو هذا الخير الذي تدعى إليه .
والآية كقوله تعالى:{أن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم} . ( فاطر: 14 ) .
{وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} .
أي: وتراهم أيها المخاطب ينظرون إليك بما وضع لهم من أعين صناعية ،وحدق زجاجية أو جوهرية ؛موجهة إلى من يدخل عليها كأنها تنظر إليه ،وهم لا يبصرون بها ؛لأن حاسة الإبصار لا تحصل بالصناعة ،وإنما هي من خواص الحياة التي استأثر الله بها .
وهم إذ فقدوا السمع لا يسمعون نداء ولا دعاء ؛ممن يعبدونهم ولا من غيرهم ،وإذ فقدوا البصر لا يبصرون حاله .فكيف يرجى منهم نصر أو خير ؛أو دفع شر وضرر ؟
ويجوز أن يكون الخطاب في الآية للنبي صلى الله عليه وسلم ،والحديث فيها عن المشركين ،فهم إذا دعاهم النبي إلى الإيمان لا يسمعون سماع فهم وإدراك وتبصر في الهدى ،وهم ينظرون للنبي بعيونهم ،ولا يبصرون الهدى ببصيرتهم ؛لأن قلوبهم قد طمس نورها وغاب فقهها .
وقريب من ذلك قوله تعالى:{ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم} . ( محمد: 16 ) .
قال الأستاذ عبد الكريم الخطيب:
قد يكون المشار إليه بضمير الجمع هنا هم أولئك المشركون ،أو تلك الأصنام التي يعبدونها ،أو هم هؤلاء وأولئك جميعا ،فالمشركون وما يشركون بهم سواء ،في أنهم لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون .