القول في تأويل قوله:وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198)
قال أبو جعفر:يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:قل للمشركين:وإن تدعوا، أيها المشركون، آلهتكم إلى الهدى =وهو الاستقامة إلى السداد=(لا يسمعوا)، يقول:لا يسمعوا دعاءكم =(وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون).
* * *
وهذا خطاب من الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم. يقول:وترى، يا محمد، آلهتهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون = ولذلك وحَّد. (3) ولو كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بخطاب المشركين، لقال:"وترونهم ينظرون إليكم ". (4)
* * *
وقد روى عن السدي في ذلك ما:-
15533 - حدثني محمد بن الحسين قال:حدثنا أحمد بن المفضل قال:حدثنا أسباط, عن السدي:(وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) قال:هؤلاء المشركين.
* * *
وقد يحتمل قول السدي هذا أن يكون أراد بقوله:"هؤلاء المشركون "، قول الله:(وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا). وقد كان مجاهد يقول في ذلك، ما:-
15534 - حدثني المثنى قال:حدثنا أبو حذيفة قال:حدثنا شبل, عنابن أبي نجيح عن مجاهد:(وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون)، ما تدعوهم إلى الهدى. وكأنّ مجاهدًا وجّه معنى الكلام إلى أن معناه:وترى المشركين ينظرون إليك وهم لا يبصرون = فهو وجهٌ, ولكن الكلام في سياق الخبر عن الآلهة، فهو بوصفها أشبه.
* * *
قال أبو جعفر:فإن قال قائل:فما معنى قوله:(وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) ؟ وهل يجوز أن يكون شيء ينظر إلى شيء ولا يراه؟
قيل:إن العرب تقول للشيء إذا قابل شيئًا أو حاذاه:"هو ينظر إلى كذا ",ويقال:"منـزل فلان ينظر إلى منـزلي"إذا قابله. وحكي عنها:"إذا أتيتَ موضع كذا وكذا, فنظر إليك الجبل, فخذ يمينًا أو شمالا ". وحدثت عن أبي عبيد قال:قال الكسائي:"الحائط ينظر إليك "إذا كان قريبًا منك حيث تراه, ومنه قول الشاعر:(5) إِذَا نَظَــرْتَ بِــلادَ بَنِــي تَمِيــمٍ
بِعَيْــنٍ أَوْ بِــلادَ بَنِــي صُبَــاحِ(6)
يريد:تقابل نبتُها وعُشْبها وتحاذَى.
* * *
قال أبو جعفر:فمعنى الكلام:وترى، يا محمد، آلهة هؤلاء المشركين من عبدة الأوثان، يقابلونك ويحاذونك, وهم لا يبصرونك, لأنه لا أبصار لهم. وقيل:"وتراهم ",ولم يقل:"وتراها ",لأنها صور مصوَّرة على صور بني آدم عليه السلام.
-----------------
الهوامش:
(3) يعني أن الخطاب أولا كان للمشركين جميعا، فقال:"وإن تدعوهم"، ثم قال:"وتراهم"على الإفراد، خطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
(4) في المخطوطة:(( وترونهم ينظرون إليك ... )) وبعد (( إليك )) بياض بقدر كلمة . والذي في المطبوعة شبيه بالصواب .
(5) لم أعرف قائله .
(6) نوادر أبي زيد:131 ، أساس البلاغة ( عين ) ، المقاييس 4:203 ، ورواية أبي زيد:إذا نظــرت بــلاد بنــي حـبيب
بعيــنٍ أو بــلاد بنــي صبــاح
رمينـــاهم بكــل أقــب نهــدٍ
وفتيــان الغــدو مــع الــرواح
ولا أدري ما (( بنو حبيب )) ، وأما (( بنو صباح )) ، فهم في ضبة ، والظاهر أن في غيرهم من العرب أيضاً (( بنو صباح )) . انظر الاشتقاق:122 . ورواية الزمخشري وابن فارس (( بلاد بني نمير )) ، فلا أدري ما أصح ذلك ، حتى يعرف صاحب الشعر، وفيمن قيل . قال الزمخشري قبل استشهاده بالشعر:(( نظرت الأرض بعين أو بعينين )) ، إذا طلع بأرض ما ترعاه الماشية بغير استكمال . وقال ابن فارس:إذا طلع النبت ، وكل هذا محمول ، واستعارة وتشبيه .