يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ( 26 ) يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ( 27 ) وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ( 28 ) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ( 29 ) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ( 30 )
ذكر الله – سبحانه وتعالى – ما كان في خلق آدم وزوجه ، وما وقع لهما مع إبليس ، وكيف وسوس لهما ، حتى ذاقا الشجرة فبدت لهما سوءاتهما .
ويبين في هذه الآية أن الثياب نعمة أنعمها الله على عباده ، ويقول الزمخشري:إن هذه الآية استطراد لما جاء في أصل التكوين ، أي أنها في معنى البيان والتفسير لكونهما أخذا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، والمعنى أن ذلك أمر فطري ، وقد قوى الله تعالى المعنى الفطري ، بأنه أنعم على الناس باللباس استجابة للفطرة وذلك صيانة للحياة .
ولا نحسب آن الآية استطرادية ، بل الآيات تمهيد لبيان أن ما كان يفعله بعض العرب من الطواف عرايا ، هو خروج على الفطرة ، وهو خروج على الحياء الإنساني ، الذي جعل آدم وحواء يخسفان عليهما من ورق الجنة:
{ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا} .
النداء لبني آدم جميعا ؛ لأنه مجاوبة للفطرة الإنسانية التي جعلت أبوي البشر يخصفان عليهما من ورق الجنة ؛ ولذا كان النداء إلى أولاد آدم ، وفيه إشارة إلى تلك الفطرة السليمة والى ذلك الحياءالفطري الذي هو سمة الأنسانية الرفيعة ,لا الى تلك الانسانية المسيخة ، التي تظهر في العرى الفاحش الذي يقره بعض الذين تبلدت مشاعرهم وأحاسيسهم .
{ قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم} وذلك بإنزال المطر الذي ينبت منه النبات ، وتأكل منه الأنعام ، ويحيا به كل شيء في هذه الأرض ، ثم يكون من النبات القطن والكتان ، ويكون من الأنعام الأصواف والأوبار والأشعار ، مما يتخذ لباسا تستر به العورة .
فالله – سبحانه – يعبر بالسبب ، وهو نزول الماء الذي يكون منه النبات وغذاء الجسم ، ويكون من ذلك اللباس الذي يواري السوءة ، وهي العورة ، وقد بينا أن السوءة وهي العورة ، وقد بينا أن السوءة ما يسوء النظر إليه ، ولا تقره الفطرة السليمة .
وأقول:إن تفسير قوله تعالى:{ قد أنزلنا} بالمطر الذي يكون منه اللباس تفسير سليم ، ولكن كلمة ( أنزل ) ، كما تدل على نزول الماء كما في قوله تعالى:{. . . . . . . وأنزلنا من السماء ماء . . . . . . . . . . . . .( 48 )} ( الفرقان ) ، كما في قوله تعالى:{ الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء . . . . . . . . . . . .( 22 )} البقرة ) فإنني أرى أنها كما تدل على ذلك ، تدل أيضا على الإنعام ، فهو سبحانه أنعم بهذا اللباس الذي يواري السوءة ، فهو الذي أنزل علينا نعمه ظاهرة وباطنة .
ويقول سبحانه وتعالى:{ وريشا} الريش والرياش لباس الزينة ، وما تزين به البيوت من فراش ، وأطلق الريش على لباس الزينة ، على أنه من قبيل التشبيه بريش الطير الذي يتزين به ، وتصيبه الحسرة إن خلع منه .
والمعنى أن الله تعالى أنزل لبني آدم ، اللباس الذي يواري السوءة ، ولباس الزينة .
{ ولباس التقوى ذلك خير} .
إن اللباس الضروري هو الذي يواري السوءة ، والريشة هو الزينة ، وهو الرياش في البيوت ، وكل ذلك في الأجسام ، وما يتصل بها من المسكن والمأوى ، فللقلوب لباس يكسوا باطن الإنسان ، وهو التقوى ؛ ولذا قال تعالى:{ ولباس التقوى} وقد شبه في هذه الحال ، ما يملأ النفس من تقوى سابقة وإيمان قوى ، وباللباس الذي يلازم الجسم ويستره ويتزين به ، فإن التقوى ستر لعيوب النفس ، ووقاية لها من غضب الله تعالى ، وهي زينة القلوب ونورها المشرق ؛ ولذلك قال فيها:{ ذلك خير} في ذاته ، وخير عما سواه من زينة الناس ، فإن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم .
وفسر بعض العلماء لباس التقوى ، بأنه لباس الجهاد من لأمة ( 1 ){[1089]} الحرب ، واتخاذ الترس والدرع ، وغير ذلك مما يدرع به المقاتل مجاهدا مدرعا ، فإن هذا لباس تقوى من جهة أنه لا يكون إلا ممن امتلأت قلوبهم بتقوى الله ، وباعوا أنفسهم له سبحانه وتعالى ، وذلك أعلى درجات التقوى ، لقوله تعالى:{ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة . . . . . . . . . . . ( 111 )} ( التوبة ) .
وذلك لا شك تحتمله الآية ، ولكنه ليس الظاهر المتبادر منها ، ونحن في منهاجنا نتجه إلى الظاهر المتبادر وقد يصح لنا أن نقول:إن الآية تعم الأمرين والله تعالى أعلم .
وإن الله تعالى ، إذ خلق لنا نعمة الكساء ، ما يكون منه ساترا ، وما يكون منه زينة ؛ فإنه آية من آيات الله ونعمه يجب أن نتذكرها ، ونعتبر بها في كل تصرفاتنا ، وخصوصا في الحج ، الذي هو منسك إبراهيم – عليه السلام - باني الكعبة ، وأبى العرب ؛ ولذا قال تعالى في ختام الآية:{ ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون} .
والإشارة ب ( ذلك ) إلى نعمة الله تعالى في في إنزال الأمطار التي يكون منها الزرع والحرث والنسل ثم يكون منها للناس والرياش .
لقد حكم - سبحانه وتعالى – أنه من آيات الله في إنزال المطر الذي كان منه كل شيء حي ، والذي به أنشأ الله جنات معروشات وغير معروشات ، فهذا كله من آيات الله تعالى ونعمه ، التي توجب الشكر وتمنع الكفر ، وهي مع ذلك ، دالة على وحدانيته .
وختم الله سبحانه قوله العزيز بقوله:{ لعلهم يذكرون} ، الضميران يعودان إلى المشركين الذين كفروا بنعمة الله ، ويطوفون بالبيت الحرام عراة ، وقد أنزل عليهم لباسا يواري سوءاتهم وريشا يتزينون به ، فلعلهم يتذكرون فينخلعوا عن هذه العادات انخلاعا .
والرجاء هنا منهم لا من الله تعالى ، وقد مهد الله تعالى لهم من الأسباب ، وذكر لهم من الآيات ما به يتذكرون