{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .
النداء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان النداء ب ( يا ) التي تكون للبعيد ، لبعد الشرف في موضوع النداء وهو الاعتماد على الله والالتقاء بحمايته ، وبكلاءته سبحانه .
والكلام السابق في هذه الآية وما قبلها للتحريض على الجنوح للسلام إن جنحوا معتمدا على الله ، آمنا من أن يخدعوه ؛ لأن الله تعالى منه وكالته ، والمؤمنون معه يؤيدونه وينصرونه ، وإنه بنعمته سبحانه ألف بين قلوبهم ، وما كان يمكن لأحد أن يؤلف قلوبهم ، وتلك إحدى خوارق العادات ، وهنا تصرح الآية الكريمة بأن الله وحده عاصم نبيه ومن معه .
{ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} معنى حسبك عاصمك وكافيك وحاميك ، ولقد قال شاعر:
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا فحسبك والضحاك سيف مهند
أي إذا كانت الهيجاء تكاد تحبك مع الضحاك سيف مهند .
و ( الواو ) في قوله{ ومن اتبعك} هي واو المعية ، والمعنى عاصمك وكافيك مع المؤمنين ذلك ، أن النبي خاف من الحروب على من معه من المؤمنين أن يخانوا أو يخدعوا ، فبين الله أن حاميه وعاصمه هو من معه من المؤمنين ، فلن يأخذهم من مأمنهم ، لأن الله معهم .
ويصح أن تكون الواو عاطفة ( من اتبعك من المؤمنين ) على ( الكاف ) في ( حسبك ) ، ويجوز العطف على الضمير المجرور من غير إبرازه بضمير منفصل ، ويكون المعنى حسبك أنت ومن معك من المؤمنين .
والمعنيان واضحان من حيث المؤدى ، ولكن الأخذ بأن الواو للمعية أولى ؛ لأنها تدل على الصحبة ، والتصريح به هنا يقوي الكلام ويؤيده .
وقوله:{ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} يشير إلى حكمة العصمة والكفاية ، وهو كونهم الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته ، ونصرته ، وإنهم بذلك قوة الرسالة ، فهم قوة الدين الحق ، وكان الله تعالى عاصمهم كما وعد نبيه بأنه عاصمه من الناس كما قال تعالى:{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس . . . . . . . . . . . . . . ( 67 )} ( المائدة ) .
وإن الله تعالى إذ يأمرنا بالسلام ، إن جنحوا ، ويزيل كل شك في أن يأخذوا المؤمنين على غرة يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يجعل المؤمنين على حذر ويستعدوا للحرب إن جالوا جولة ثانية ، وذلك بأن يحرضهم على الاستعداد للقتال ، وأن يقووا وحدتهم ، وجماعتهم وأن يعلموا أنهم لن يغلبوا من قلة .