{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( 64 ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ( 65 ) الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ( 66 )}
التفسير:
64 –{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .
أي: كافيك الله تعالى .
فالله تعالى وحده كافيك ،وكافي أتباعك فلا يحتاجون معه إلى أحد .
وهذه الآية لون من ألوان التكريم الإلهي ،لهذا النبي ولهؤلاء الرجال الكرام ،الذين آووه ونصروه ،يكفي أن يكون الله العلي القدير ،هو وليه وناصرهم وكافيهم ،ومتولّى الدفاع عنهم ؛إن هذه الآية حصن أمان لهذا النبي ولمن اتبعه من المؤمنين .
ونظير هذا قوله تعالى:{أليس الله بكاف عبده} . ( الزمر: 36 ) .
وقوله سبحانه:{فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب} . ( الشرح: 7 ،8 ) .
وقوله عز شأنه:{ولو أنهم رضوا ما آتاهم ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتنا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون . ( التوبة: 59 ) .
والآية لون أيضا من ألوان صدق العقيدة ،وإخلاص التوحيد ؛فمن كان الله كافيك وحافظه ؛فهو في حصن مشيد ،وأمن سعيد .
وفي تفسير القاسمي ،شرح طويل لهذه الآية .
فقد نقل عن العلامة ابن القيم في زاد المعاد وجوه إعراب الآية .
وخلاصة ذلك ما يأتي:
1 – الواو عاطفة ل من على الكاف المجرورة .
والمعنى: كافيك الله ،ومن معك من المؤمنين في تحقيق النصر ،أي: أن الله يكفيك وينصرك ،وينصر من معط من المؤمنين .
2- من في موضع رفع عطف على اسم الله ،ويكون المعنى: حسبك الله ،وأتباعك .
وابن القيم يرفض هذا المعنى الثاني ؛لأن الحسب والكفاية لله وحده ؛كالتوكل والتقوى والعبادة .
قال الله تعالى:{وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} . ( الأنفال: 62 ) .
ففرق بين الحسب والتأييد ،فجعل الحسب له وحده وجعل التأييد له بنصره وبعباده .انتهى .
قال الخفاجىّ( في العناية ): وتضعيفه الرفع لا وجه له ،فإن الفراء والكسائي رجحاه ،وما قبله وما بعده يؤيده .
وترى فيما سبق اتجاهين للعلماء .
الاتجاه الأول:
لابن القيم وغيره من المفسرين يرون أن الله وحده هو حسب النبي وكافيه ،وقدرته لا مرد لها .
وذهبوا إلى إضافة المؤمنين إلى النبي ؛فهي معطوف على كاف الخطاب .
بمعنى: يا أيها النبي حسبك الله ،وحسب المؤمنين .
أي: يكفي أن يكون الله ناصرا لك وللمؤمنين .
الاتجاه الثاني:
للفراء الكسائي والخفاجي وغيرهم يقولون: عطف المؤمنين على لفظ الجلالة ليس ضعيفا بل قويا ؛ونرى أن معنى الآية مرتبط بما قبلها وما بعدها ؛وسياق الكلام يرجح أن جملة{ومن اتبعك من المؤمنين} .في موضع رفع ،وهي معطوفة على اسم الله .وهذا الاتجاه يؤيده قوله تعالى:{هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} .،ويضيف إلى المؤمنين شرفا وتكريما ،فهم جند الله ورجاله ،الذي أيد بهم الرسول صلى الله عليه وسلم والآية التالية بتحريض المؤمنين على القتال ،بحيث إن المؤمن لا يجوز أن يفر من عشرة أفراد .
هو نوع لاحق من تشريف المؤمنين ورفع أقدارهم ،وأنهم بما في قلوبهم من إيمان ؛في منزلة لا ينالها الكافرون والمشركونlvi .