وقد بين الله تعالى الحكمة في أنه ثبطهم ، فلم يخرجوا فقال سبحانه:{ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ( 47 )} .
أي لو خرجوا في جمعكم المؤمن المجاهد ، وساروا ، لا يجاهدون ، ولكن يسيرون على ما كانوا عليه بينكم من التشكيك في خروجكم وفي قوتكم ، وفي ذلك إشاعة العناء والخور والضعف ، ولذا قال الله تعالى:{ مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} الخبال:الفساد والشر بالتشكيك وإثارة الفزع والاستثناء هنا يمكن أن يخرج على استثناء منقطع ؛ لأن المستثنى ليس من ضمن المستثنى منه ، إذ الخبال لا زيادة فيه كما يقال ما غنم إلا الهزيمة ، وما زاد إلا النقص .
ويرى الزمخشري وهو عالم اللغة وفقيهها أن الاستثناء هنا ليس منقطعا ، إنما هو استثناء من أعم الأحوال ، أو من أعم العام كما عبر الزمخشري ، والخبال نقص أعم العام كما يقال:( ما زادوكم شيئا إلا خبالا وإفسادا ) ،{ ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ} الخلال:جمع ( خلل ) وهو ما بين الشيئين أو الأمرين ، و ( الإيضاع ):الإسراع ، يقال وضع يعني أسرع ، ووضع البعير إذا عدا ، وقال الراجز العربي:
ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع
وأوضعته:حملته على العدو ، والمعنى في النص الكريم:لأوضعوا ملحقين الجيش خلاله بأسباب الفتن من نميمة ومن توهين ، ومن تشكيك ، وشبه السعي بالفساد بإيضاع الإبل في عدوها ، لأن كلا إجهاد ، بيد أن سير الإبل قد يكون إلى الخير ، أما الإيضاع هنا فهو فساد وتوهين وتخذيل ، وسعى بنميمة .
{ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} أي يطلبونكم بشدة وقوة ، لا يبغون أشخاصكم ؛ لأنهم لا يودونكم ، ويتربصون بكم الدوائر ولكن يبغون الفتنة بينكم ، فالفتنة بدل اشتمال من الضمير ، أي يبغون فتنتكم في عامة أموركم ، وذلك بأن يمشوا بالنميمة في جموعكم ، ويرهبونكم من أعدائكم ، والقول بالريب فيما اعتزم من عمل .
ثم يقول تعالت كلماته:{ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} سماعون صيغة مبالغة من سامع ، أي أنهم حريصون على السمع لهم ، وقد كان اللفظ يحتمل أن فيكم سماعين حريصين على أن يستمعوا لهم ، ويطيعوهم ، وينحازوا إليهم ، ونرى أن لأجلهم ، أو يكون المعنى أن يستمعوا لهم ، ويطيعوهم ، وينحازوا إليهم ، ونرى أن هذا هو الأنسب للسياق والذي يلائم إيضاعهم بالخبال ، وذكر ابتغائهم الفتنة وطلبهم ، ويتفق مع رغبتهم في الخبال والفساد ، وقد ختم الله تعالى الآية الكريمة بقوله تعالى:{ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} أي أن الله تعالى عليم بهم وبنياتهم ، وما يطوونه في جنوبهم من إرادة الشر بالمؤمنين ، وأظهر في موضع الإضمار لتسجيل الظلم عليهم ، وأن الظالمين لن يفلحوا أبدا .