وقلنا:إن التعبير فيه نوع من التهكم عليهم ؛ لأن المأوى مكان الاطمئنان والراحة ، وإن المنافقين يرتعدون من الإعراض عنهم ويسعون إلى طلب رضى النبي والمؤمنين ، فيحلفون لهم بما يقرب قلوبهم ، ولذا قال تعالى{ يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين96} لقد أعرضوا عنهم ولكنه إعراض من لا ينسى ما كان منهم ولكن لا يذكره ، أعرضوا عنهم بوجوه مكفهرة ، وما في قلب المؤمن يظهر في لمحات عينه وعلى وجهه فهو في اشمئزاز منهم ، وإن كان لا يتكلم بسوء ، وهذه الحال لوم شديد ، وهم يريدون إرضاءهم ، فأخذوا عدتهم من القول ، وهو الحلف ليدنوا منهم ويتقربوا من نفوسهم ، وتتلاقى مشاعرهم وإحساساتهم ، فيتمكنوا منهم ، ويعرفوا دخائل نفوسهم ، وقد نهى الله تعالى عن ذلك ، ولذا قال:{ فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} .
والمؤمن يطلب رضا الله دائما ، ويتبع ما يرضى الله ، ولا يفعل قط ما لا يرضي الله ، فإذا كان الله لا يرضى عنهم ، فالمؤمن اتباعا لحكم الله تعالى لا يرضى عنهم .
وإن رضا المؤمنين من غير رضا الله تعالى لا يجديهم ؛ لأنه هو الذي يعاقب وهو الذي ينعم ، ويشقى ، فإن أرادوا الرضا ، فليطلبوا رضا الله تعالى لا رضا المؤمنين وحدهم ، ورضا الله في أن يخلعوا أنفسهم من النفاق ، ويخرجوا من إهابه ، فبئس الإهاب يلبسونه .
وقد بين الله سبحانه وتعالى السبب في أنه لا يرضى عن المنافقين ما داموا مستمرين على حالهم ، وذلك في قوله:{ فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} فإن الإظهار والمقام مقام الضمير ، كأن يقول تعالت كلماته "فإنه لا يرضى عنهم"وفي ذلك تعليل سبب عدم الرضا ، وهو فسقهم وتمردهم على أوامر الله ونواهيه وتضافرهم على ذلك ، حتى صاروا بذلك التفاهم على النفاق بينهم قوما قائمين عليه راضين به ، اللهم اكف أمتك شر النفاق والمنافقين .