/م94
{ يحلفون لكم لترضوا عنهم} فتستديموا معاملتهم السابقة بظاهر إسلامهم ، وهذا غرض آخر وراء غرض الإعراض عنهم لا يهنأ عيشهم بدونه ، ولاحظ لهم من إظهار الإسلام غيره ، ولو كان إسلامهم عن إيمان لكان غرضهم الأول إرضاء الله ورسوله كما تقدم في آية{ يحلفون بالله لكم ليرضوكم} الخ ، وليس لكم أن ترضوا عنهم وهذه حالتهم .
{ فإن ترضوا عنهم} فَرْضا وقد أعلمكم الله بحالهم{ فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} عن أمره منهم ولا من غيرهم ، فإن هذا الفسوق سبب أو علة لسخط الله تعالى ، فالحكم بعدم رضاه متعلق به لا بذواتهم وشخوصهم ، ومقتضاه أنه إذا فرض أن بعض المؤمنين رضي عنهم وآمن لهم باعتذارهم بعد النهي عنه كان فاسقا مثلهم ، محروما من رضائه تعالى ، كما أن من يتوب منهم ويرضي الله ورسوله يخرج من حدود سخطه عز وجل ويدخل في حظيرة مرضاته ؛ إذ لا يعد بعد ذلك فاسقا .فأحكام الله العامة ووعده ووعيده تتعلق بالأعمال والصفات النفسية والبدنية لا بالذوات والأعيان ، ولو قال: "فإن الله لا يرضى عنهم "لما أفاد التعبير هذه الحقائق والمعاني ، بل كان يكون حكما على أفراد معينين ، مسجلا عليهم الموت على كفرهم وعدم قبول توبة أحد منهم ، وما أبعد هذا عن حكمة الله وعن هداية كتابه العزيز !
/خ96