والمراد: ب{الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} ،الذين يطيعونه فيوالونه بالطاعة .
وأظهر الأقوال في قوله:{هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} ،أن الضمير عائد إلى الشيطان لا إلى الله .ومعنى كونهم مشركين به هو طاعتهم له في الكفر والمعاصي ؛كما يدل عليه قوله تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابَنِي ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [ يس: 60] ،وقوله عن إبراهيم:{يا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ} [ مريم: 44] ،إلى غير ذلك من الآيات .وأما سلطانه على الذين يتولونه فهو ما جعلوه له على أنفسهم من الطاعة والاتباع والموالاة ،بغير موجب يستوجب ذلك .
تنبيه
فإنه قيل: أثبت الله للشيطان سلطاناً على أوليائه في آيات .كقوله هنا:{إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} الآية ،وقوله:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [ الحجر: 42] ،فالاستثناء يدل على أن له سلطاناً على من اتبعه من الغاوين: مع أنه نفى عنه السلطان عليهم في آيات أخر .كقوله:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ} [ سبأ: 20-21] الآية .
وقوله تعالى حاكياً عنه مقرراً له:{فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لي} [ إبراهيم:22] .
فالجواب هو: أن السلطان الذي أثبته له عليهم غير السلطان الذي نفاه ،وذلك من وجهين:
الأول:أن السلطان المثبت له هو سلطان إضلاله لهم بتزيينه ،والسلطان المنفي هو سلطان الحجة ؛فلم يكن لإبليس عليهم من حجة يتسلط بها ،غير أَنه دعاهم فأجابوه بلا حجة ولا برهان .وإطلاق السلطان على البرهان كثير في القرآن .
الثاني:أن الله لم يجعل له عليهم سلطاناً ابتداء البتة ،ولكنهم هم الذين سلَّطوه على أنفسهم بطاعاته ودخولهم في حزبه ،فلم يتسلط عليهم بقوة .لأن الله يقول:{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [ النساء: 76] .وإنما تسلط عليهم بإرادتهم واختيارهم .
ذكر هذا الجواب بوجهيه العلامة ابن القيم رحمه الله .وقد بينا هذا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) .