وقوله هنا{يُصْهَرُ بِهِ مَا في بُطُونِهِمْ} أي يذاب بذلك الحميم ،إذا سقوه فوصل إلى بطونهم ،كل ما في بطونهم من الشحم والأمعاء وغير ذلك ،كقوله تعالى{وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ} [ محمد: 15] والعرب تقول: صهرت الشيء فانصهر ،فهو صهير: أي أذبته فذاب ،ومنه قول ابن أحمر يصف تغذية قطاة لفرخها في فلاة من الأرض:
تروي لقي ألْقى في صَفْصَف *** تَصْهره الشَّمْس فما يَنْصَهِرْ
أي تذيبه الشمس ،فيصبر على ذلك ،ولا يذوب ،وقوله: والجلود الظاهر أنه معطوف على «ما » من قوله{يُصْهَرُ بِهِ مَا في بُطُونِهِمْ} التي هي نائب فاعل يصهر ،وعلى هذا الظاهر المتبادر من الآية ،فذلك الحميم يذيب جلودهم ،كما يذيب ما في بطونهم .لشدة حرارته .
إذ المعنى: يصهر به ما في بطونهم ،وتصهر به الجلود ؛أي جلودهم ،فالألف واللام قامتا مقام الإضافة ،وقال بعض أهل العلم: والجلود مرفوع بفعل محذوف معطوف على تصهر ،وتقديره: وتحرق به الجلود ،ونظير ذلك في تقدير العامل المحذوف الرافع الباقي معموله مرفوعاً بعد الواو قول لبيد في معلقته:
فعلا فروعُ الأيْهقَانِ وأطفَلت *** بالْجَلهَتَيْنِ ظباؤُهَا ونَعامُهَا
يعني: وباض نعامها ،لأن النعامة لا تلد الطفل ،وإنما تبيض ،بخلاف الظبية فهي تلد الطفل ،ومثاله في المنصوب قول الآخر:
إذا ما الغانياتُ برزْنَ يوما *** وزجَّجْنَ الحواجِبَ والعُيونا
ترى منَّا الأيور إذا رأَوْهَا *** قِياماً راكِعينَ وساجِدينا
يعني زججن الحواجب ،وأكحلن العيون وقوله:
ورَأيْت زوجَك في الوَغَى *** متقلِّدا سيفاً ورمْحَا
أي وحاملاً رمحاً ،لأن الرمح لا يتقلد ،وقول الآخر:
تراه كأن الله يجدعُ أنفَه *** وعينيه إنْ مولاه ثَابَ له وفْر
يعني: ويفقأ عينيه ،ومن شواهده المشهورة قول الراجز:
علَفْتها تِبناً وماءً باردا *** حتى شتت همالةً عيناها
يعني: وسقيتها ماء بارداً ،ومن أمثلة ذلك في القرآن قوله تعالى{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ}: أي وأخلصوا الإيمان ،أو ألفوا الإيمان ،ومثال ذلك في المخفوض قولهم: ما كل بيضاء شحمة ،ولا سوداء تمرة: أي ولا كل سوداء تمرة ،وإلى هذه المسألة أشار في الخلاصة بقوله:
وهي انفردت *** ...
بعطف عامل مُزال قَدْ بَقي *** معمولُه دفعاً لوهْمٍ اتَّقى