وقوله تعالى:{لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءونَ} [ النحل: 31] العائد أيضاً محذوف كالذي قبله: أي ما يشاءونه ،وحذف العائد المنصوب بالفعل أو الوصف كثير ،كما قال في الخلاصة: والحذف عندهم كثير منجلي*** في عائد متصل إن انتصب
بفعل أو وصف ***كمن نرجو يهب
وهذه الآية الكريمة ،تدل على أن أهل الجنة يجدون كل ما يشاءونه من أنواع النعيم .
وقد قدمنا الآيات الدالة على ذلك في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى:{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءونَ} [ النحل: 31] والآيات المذكورة تدل على أن حصول كل ما يشاءه الإنسان لا يكون إلا في الجنة ،وقوله:{كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيراً} المصير مكان الصيرورة ،وقد مدح الله جزاءهم ومحله كقوله تعالى:{نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} [ الكهف: 31] لأن حسن المكان وجودته من أنواع النعيم .
وقوله في هذه الآية الكريمة:{كَانَ عَلَى رَبّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً} فيه وجهان معروفان .
أحدهما: أن معنى كونه مسئولاً أن المؤمنين كانوا يسألونه ،وكانت الملائكة أيضاً تسأله لهم ،أما سؤال المسلمين له فقد ذكره تعالى: بقوله عنهم:{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [ آل عمران: 194] وسؤال الملائكة لهم إياه ذكره تعالى أيضاً في قوله:{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ} [ غافر: 8] الآية ،وقال بعض العلماء: مسئولاً: أي واجباً لأن ما وعد الله به واجب الوقوع ،لأنه لا يخلف الميعاد ،وهو جل وعلا يوجب على نفسه بوعده الصادق ما شاء لا معقب لحكمه ويستأنس لهذا القول بلفظة على في قوله:{كَانَ عَلَى رَبّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً} كقوله تعالى:{وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ} [ الروم: 47] وقال بعض أهل العلم: إن المسلمين يوم القيامة يقولون: قد فعلنا في دار الدنيا كل ما أمرتنا به فأنجز لنا ما وعدتنا ،والقولان الأولان أقرب من هذا .والعلم عند الله تعالى .