قوله تعالى:{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنفسهم إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ 178} .
ذكر في هذه الآية الكريمة أنه يملي للكافرين ويمهلهم لزيادة الإثم عليهم وشدة العذاب .وبيّن في موضع آخر أنه لا يمهلهم متنعمين هذا الإمهال إلا بعد أن يبتليهم بالبأساء والضراء ،فإذا لم يتضرعوا أفاض عليهم النعم وأمهلهم حتى يأخذهم بغتة ،كقوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا في قَرْيَةٍ مّن نَّبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ 94 ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ 95} ،وقوله:{وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ 42 فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} إلى قوله:{أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ 44} .
وبيّن في موضع آخر: أن ذلك الاستدراج من كيده المتين ،وهو قوله:{سَنَسْتَدْرِجُهُم مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ 44 وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ 45} .
وبيْن في موضع آخر: أن الكفار يغترون بذلك الاستدراج فيظنون أنه من المسارعة لهم في الخيرات ،وأنهم يوم القيامة يؤتون خيرًا من ذلك الذي أوتوه في الدنيا ،كقوله تعالى:{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ 55 نُسَارِعُ لَهُمْ في الْخَيْراتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ 56} ،وقوله:{أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً 77} ،وقوله:{وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى ربّي لأجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً 36} ،وقوله:{وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَى ربّي إِنَّ لي عِندَهُ لَلْحُسْنَى} ،وقوله:{وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلَاداً} الآية .كما تقدم ،والبأساء: الفقر والفاقة ،والضراء: المرض على قول الجمهور ،وهما مصدران مؤنثان لفظًا بألف التأنيث الممدودة .