قوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ} .
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار إذا بعثوا يوم القيامة ،وأقسموا أنهم ما لبثوا غير ساعة يقول لهم الذين أُوتوا العلم والإيمان ،ويدخل فيهم الملائكة ،والرسل ،والأنبياء ،والصالحون: واللَّه لقد لبثتم في كتاب اللَّه إلى يوم البعث ،فهذا يوم البعث ،ولكنكم كنتم لا تعلمون .
وهذا المعنى الذي دلّت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحًا في سورة «يس » على أصحّ التفسيرين ،وذلك في قوله تعالى:{قَالُواْ يا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [ يس: 25] .
والتحقيق أن هذا قول الكفار عن البعث ،والآية تدلّ دلالة لا لبس فيها ،على أنهم ينامون نومة قبل البعث ،كما قاله غير واحد ،وعند بعثهم أحياء من تلك النومة التي هي نومة موت يقول لهم الذين أوتوا العلم والإيمان:{هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمانُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} ،أي: هذا البعث بعد الموت ،الذي وعدكم الرحمان على ألسنة رسله ،وصدق المرسلون في ذلك ،كما شاهدتموه عيانًا ،فقوله في «يس »:{هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمانُ} [ يس: 52] ،قول الذين أوتوا العلم والإيمان ،على التحقيق ،وقد اختاره ابن جرير ،وهو مطابق لمعنى قوله:{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ}الآية .
والتحقيق أن قوله هذا إشارة إلى ما وعد الرحمان وأنها من كلام المؤمنين ،وليست إشارة إلى المرقد في قول الكفار:{مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا} [ يس: 52] ،وقوله:{في كِتَابِ اللَّهِ} ،أي: فيما كتبه وقدره وقضاه .وقال بعض العلماء: أن قوله:{هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ} [ يس: 52] الآية ،من قول الكفار ،ويدلّ له قوله في «الصافّات »:{وَقَالُواْ يا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدّينِ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ} [ الصافات: 20-21] الآية .
قوله تعالى:{وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} .
قد قدّمنا ما فيه من اللغات ،والشواهد العربية في سورة «النحل » ،في الكلام على قوله تعالى:{ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [ النحل: 84] .