قوله تعالى:{وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} .
ذكر اللَّه جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن من قنت من نساء نبيّه صلى الله عليه وسلم للَّه ولرسوله ،وعمل عملاً صالحًا أن اللَّه جلَّ وعلا يؤتها أجرها مرّتين .والقنوت: الطاعة .وما وعد اللَّه به جلَّ وعلا من أطاع منهن بإيتائها أجرها مرتين في هذه الآية الكريمة ،جاء الوعد بنظيره لغيرهن في غير هذا الموضع ،فمن ذلك وعده لمن آمن من أهل الكتاب بنبيّه ،ثم آمن بمحمّد صلى الله عليه وسلم بإتيائه أجره مرّتين ،وذلك في قوله تعالى:{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُواْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبّنَا إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} [ القصص: 51-54] الآية .
ومن ذلك وعده لجميع المطيعين من أُمّته صلى الله عليه وسلم بإيتائهم كفلين من رحمته تعالى ،وذلك في قوله جلَّ وعلا:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [ الحديد: 28] الآية .
واعلم: أن ظاهر هذه الآية الكريمة من سورة «الحديد » ،الذي لا ينبغي العدول عنه ،أن الخطاب بقوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ} ،عام لجميع هذه الأُمّة كما ترى .وليس في خصوص مؤمني أهل الكتاب ،كما في آية «القصص » المذكورة آنفًا ،وكونه عامًا هو التحقيق إن شاء اللَّه ؛لظاهر القرآن المتبادر الذي لم يصرف عنه صارف ،فما رواه النسائي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما من حمله آية «الحديد » هذه على خصوص أهل الكتاب ،كما في آية «القصص » ،خلاف ظاهر القرآن ،فلا يصح الحمل عليه إلاّ بدليل يجب الرجوع إليه ،وإن وافق ابن عباس في ذلك الضحاك ،وعتبة بن أبي حكيم وغيرهما ،واختاره ابن جرير الطبري .
والصواب في ذلك إن شاء اللَّه هو ما ذكرنا ،لأن المعروف عند أهل العلم: أن ظاهر القرآن المتبادر منه ،لا يجوز العدول عنه ،إلا لدليل يجب الرجوع إليه .
وقال ابن كثير: وقال سعيد بن جبير: لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين ،أنزل اللَّه تعالى على نبيّه هذه الآية في حقّ هذه الأُمّة:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ} ،أي: ضعفين{مّن رَّحْمَتِهِ} ،وزادهم{وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [ الحديد: 28] ،ففضلهم بالنور والمغفرة ،اه .نقله عنه ابن جرير ،وابن كثير ،والعلم عند اللَّه تعالى .