قوله تعالى:{وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَئذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ} .
لما ذكر جل وعلا ما أعد لأصحاب الشمال من العذاب ،بين بعض أسبابه ،فذكر منها أنهم كانوا قبل ذلك في دار الدنيا مترفين أي متنعمين ،وقد قدمنا أن القرآن دل على أن الإتراف والتنعم والسرور في الدنيا من أسباب العذاب يوم القيامة ،لأن صاحبه معرض عن الله لا يؤمن به ولا برسله ،كما دلت عليه هذه الآية الكريمة ،وقوله تعالى:{فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَى سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ فِى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [ الانشقاق: 11-13] ،وقد أوضحنا هذا في الكلام على آية الطور المذكورة آنفاً .
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من كون إنكار البعث سبباً لدخول النار ،لأن قوله تعالى لما ذكر أنهم في سموم وحميم وظل من يحموم ،بين أن من أسباب ذلك أنهم قالوا{أَئذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً} جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى{وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئذَا كُنَّا تُرَابًا أَئنَّا لفي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ} [ الرعد: 5] .
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى:{وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً} [ الفرقان: 11] .
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من إنكارهم بعث آبائهم الأولين في قوله{أَوَ ءَابَآؤُنَا الأولون} .
وأنه تعالى بين لهم أنه يبعث الأولين والآخرين في قوله ،{قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين َلَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [ الواقعة: 49 -50] جاء موضحاً في غير هذا الموضع ،فبينا فيه أن البعث الذي أنكروا ،سيتحقق في حال كونهم أذلاء صاغرين ،وذلك في قوله تعالى في الصافات{وَقَالُواْ إِن هَذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ أَئذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ ءَابَآؤُنَا الأولون قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ فَإِنَّمَا هي زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} [ الصافات: 15 -19] .
/خ48