وقوله:{أَوَ ءَابَآؤُنَا الأولون} ،قرأه عامة القراء السبعة ،غير ابن عامر وقالون عن نافع:{أَوَ ءَابَآؤُنَا} بفتح الواو على الاستفهام والعطف ،وقد قدمنا مراراً أن همزة الاستفهام إذا جاءت بعدها أداة عطف كالواو والفاء ،وثم نحو{أَوَ ءَابَآؤُنَا}{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} [ الأعراف: 97]{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ} [ يونس: 51] ،أن في ذلك وجهين لعلماء العربية والمفسرين الأول ،منهما أن أداة العطف عاطفة للجملة المصدرة بالاستفهام على ما قبلها ،وهمزة الاستفهام متأخرة رتبة عن حرف العطف ،ولكنها قدمت عليه لفظاً لا معنى لأن الأصل في الاستفهام التصدير به كما هو معلوم في محله .
والمعنى على هذا واضح وهو أنهم أنكروا بعثهم أنفسهم بأداة الإنكار التي هي الهمزة ،وعطفوا على ذلك بالواو إنكارهم بعث آبائهم الأولين ،بأداة الإنكار التي هي الهمزة المقدمة عن محلها لفظاً لا رتبة ،وهذا القول هو قول الأقدمين من علماء العربية ،واختاره أبو حيان في البحر المحيط وابن هشام في مغني اللبيب ،
وهو الذي صرنا نميل إليه أخيراً بعد أن كنا نميل إلى غيره .الوجه الثاني: هو أن همزة الاستفهام في محلها الأصلي ،وأنها متعلقة بجملة محذوفة ،والجملة المصدرية بالاستفهام معطوفة على المحذوفة بحرف العطف الذي بعد الهمزة ،وهذا الوجه يميل إليه الزمخشري في أكثر المواضع من كشافه ،وربما مال إلى غيره .
وعلى هذا القول ،فالتقدير: أمبعوثون نحن وآباؤنا الأولون ؟وما ذكره الزمخشري هنا من أن قوله:{ءَابَآؤُنَا} [ الواقعة: 48] معطوف على واو الرفع في قوله:{لَمَبْعُوثُونَ} ،وأنه ساغ العطف على ضمير رفع متصل من غير توكيد بالضمير المنفصل لأجل الفصل بالهمزة لا يصح ،وقد رده عليه أبو حيان وابن هشام وغيرهما .
وهذا الوجه الأخير مال إليه ابن مالك في الخلاصة في قوله:
وحذف متبوع بداهنا استبح *** وعطفك الفعل على الفعل يصح
وقرأ هذا الحرف قالون وابن عامر أو آباؤنا بسكون الواو ،والذي يظهر لي على قراءتهما أو بمعنى الواو العاطفة ،وأن قوله:{ءَابَآؤُنَا} ،معطوف على محل المنصوب الذي هو اسم إن ،لأن عطف المرفوع على منصوب إن بعد ذكر خبرها جائز بلا نزاع ،لأن اسمها وإن كان منصوباً فأصله الرفع لأنه مبتدأ في الأصل ،كما قال ابن مالك في الخلاصة:
وجائز رفعك معطوفاً على ***منصوب إن بعد أن تستكملا
وإنما قلنا إن أو بمعنى الواو ،لأن إتيانها بمعنى الواو معروف في القرآن وفي كلام العرب ،فمنه في القرآن:{فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً} [ المرسلات: 5 -6] لأن الذكر الملقى للعذر ،والنذر معاً لا لأحدهما ،لأن المعنى أنها أتت الذكر إعذاراً وإنذاراً ،وقوله تعالى:{وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً} [ الإنسان: 24] أي ولا كفوراً ،وهو كثير في كلام العرب ،ومنه قول عمرو بن معد يكرب:
قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم *** ما بين ملجم مهرة أو سافع
فالمعنى ما بين الملجم مهره وسافع: أي آخذ بناصيته ليلجمه ،وقول نابغة ذبيان: قالت ألا ليت ما هذا الحمام لنا *** لى حمامتنا أو نصفه فقد
فحسبوه فألفوه كما زعمت *** ستا وستين لم تنقص ولم تزد
فقوله: أو نصفه بمعنى ونصفه كما هو ظاهر من معنى البيتين المذكورين ،لأن مرادها أنها تمنت أن يكون الحمام المار بها هو ونصفه معه لها مع حمامتها التي معها ،ليكون الجميع مائة حمامة ،فوجدوه ستاً وستين ونصفها ثلاث وثلاثون ،فيكون المجموع تسعاً وتسعين ،والمروي في ذلك عنها أنها قالت:
ليت الحمام ليه *** إلى حمامتيه
ونصفه قديه *** تم الحمام مايه
وقول توبة بن الحمير:
قد زعمت ليلى بأني فاجر *** لنفسي تقاها أو عليها فجورها
/خ48