قوله تعالى:{فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} .
السبيل هنا منكر ،ولكنه معين بقوله:{إِلَى رَبِّهِ} ،لأن السبيل إلى ربه هو السبيل المستقيم .
كما قال تعالى:{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [ الأنعام: 151] وفي النهاية قال:{وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [ الأنعام: 153] ،وهو الصراط المستقيم الذي دعا إليه صلى الله عليه وسلم .
كما في قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [ الشورى: 52 -53] وهو القرآن الكريم كما تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في قوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [ الفاتحة: 6] ،وقد بين تعالى أنه القرآن كله في قوله تعالى{ألم ذلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [ البقرة: 1 -2] بعد قوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ،كأنه قال: الهادي إلى الصراط المستقيم المنوه عنه في الفاتحة: هو القرآن الكريم{هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إلى آخر الصفات ،فيكون السبيل هنا معلوماً .
وقوله تعالى قبلها:{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ} مشعر بأن السبيل عن طريق التذكر فيها والاتعاظ بها .
وقوله:{فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} ،علق اتخاذ السبيل إلى الله على مشيئة من شاء ،وقيدها ربط مشيئة العبد بمشيئة الله تعالى في قوله:
{وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ} [ الإنسان: 30] ،وهذه مسألة القدر .
وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بحثها بحثاً وافياً عند قوله تعالى{فَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [ يونس: 99] في يونس وأحال على النساء .إلا أن قوله تعالى في التذييل على الآية الكريمة بقوله:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} أن كل ما يقع في هذا الكون من سلوك وأعمال أنه بعلم من الله وحكمة .