قوله تعالى:{يَوْمَ يُنفَخُ في الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} .
النفخ في الصور للبعث ،وهذا معلوم ،وتأتون أفواجاً: قد بين حال هذا المجيء مثل قوله تعالى:{يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعاً} وقوله:{كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ 7 مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} والأفواج هنا قيل: الأمم المختلفة كقوله:{يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} الآية ،ولكن الآية بتاء الخطاب: فتأتون مما يشعر بأن الأفواج في هذه الأمة .
وقد روى القرطبي وغيره أثراً عن معاذ ،أنه سأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"يا معاذ ،سألت عن أمر عظيم من الأمور ،ثم أرسل عينيه وقال: تحشر عشرة أصناف من أمتي "وساقها ،وكذلك ساقها الزمخشري ،وقال ابن حجر في الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف: أخرجه الثعلبي وابن مردويه من رواية محمد بن زهير ،عن محمد بن الهندي عن حنظلة السدوسي عن أبيه عن البراء بن عازب عنه بطوله وهي: بعضهم على صورة القردة ،وبعضهم على صورة الخنازير ،وبعضهم منكسون أرجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها ،وبعضهم عمياً ،وبعضهم صماً ،بكماً ،وبعضهم يمضغون ألسنتهم ،فهي مدلاَّت على صدورهم يسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع ،وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم ،وبعضهم مصلبون على جذوع من نار ،وبعضهم أشد نتناً من الجيف ،وبعضهم ملبسون جلباباً سابغة من قطران لازقة بجلودهم .
أما الذين على صورة الخنازير: فأهل السحت ،والمنكسون: أكلة الربا ،والعمى: الجائرون في الحكم ،والصم: المعجبون بأعمالهم ،والذين يمضغون ألسنتهم: العلماء والقصّاص الذين خالف قولهم أعمالهم ،ومقطوع الأيدي: مؤذوا الجيران ،والمصلّبون: السعاة بالناس إلى السلطان ،والذين أشد نتناً: متبعوا الشهوات ،ومانعوا حق الله في أموالهم ،ولابسُوا الجلباب: أهل الكبر والفخر .انتهى بإيجاز بالعبارة ،والله تعالى أعلم .