قوله تعالى:{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ}{إِنِّي بريء مِّنْكُمْ} .
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الشيطان غر الكفار ،وخدعهم ،وقال لهم: لا غالب لكم وأنا جار لكم .
وذكر المفسرون: أنه تمثل لهم في صورة «سراقة بن مالك بن جعشم » سيد بني مدلج بن بكر بن كنانة ،وقال لهم ما ذكر الله عنه ،وأنه مجيرهم من بني كنانة ،وكانت بينهم عداوة ،{فَلَمَّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} ،عندما رأى الملائكة وقال لهم:{إِنِّي بريء مِّنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ} ،فكان حاصل أمره أنه غرهم ،وخدعهم حتى أوردهم الهلاك ،ثم تبرأ منهم .
وهذه هي عادة الشيطان مع الإنسان كما بينه تعالى في آيات كثيرة ،كقوله:{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بريء مِّنكَ} [ الحشر: 16] الآية .وقوله:
{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الأمر إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [ إبراهيم: 22] ،إلى قوله:{إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} [ إبراهيم: 22] .وكقوله:{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً} [ النساء: 120] ،وقد قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
سرنا وساروا إلى بدر لحينهم *** لو يعلمون يقين الأمر ما ساروا
دلاهم بغرور ثم أسلمهم *** إن الخبيث لمن ولاه غرار