قوله تعالى:{هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} .
بعد عرض قصة أصحاب الأخدود تسلية للمؤمنين وتثبيتاً لهم ،وزجراً للمشركين وردعاً لهم ،جاء بأخبار لبعض من سبق من الأمم وفرعون وثمود بدل من الجنود ،وهم جمع جند ،وهم الكثرة وأصحاب القوة ،وحديثه ما قص الله من خبره مع موسى وبني إسرائيل .
وفي اختيار فرعون هنا بعد أصحاب الأخدود لما بينهما من المشاكلة والمشابهة ،إذ فرعون طغى وادَّعى الربوبية ،كملك أصحاب الأخدود الذي قال لجليسه: ألك رب غيري ؟ولتعذيبه بني إسرائيل بتقتيل الأولاد واستحياء النساء ،وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ،ولتقديم الآيات والبراهين على صدق الداعية ،إذ موسى عليه السلام قدَّم لفرعون من آيات ربه الكبرى فكذَّب وعصى ،والغلام قدم لهذا الملك الآيات الكبرى: إبراء الأكمه والأبرص بإذن اللَّه ،وعجز فرعون عن موسى وإدراكه ،وعجز الملك عن قتل الغلام إذ نجاه الله من الإغراق والدهدهة من قمة الجبل ،فكان لهذا أن يرعوي عن ذلك ويتفطن للحقيقة ،ولكن سلطانه أعماه كما أعمى فرعون .
وكذلك آمن السحرة لما رأوا آية موسى وخروا للَّه سجداً .
وهكذا هنا آمن الناس برب الغلام ،فوقع الملك فيما وقع فيه فرعون .إذ جمع فرعون السحرة ليشهد الناس عجز موسى وقدرته ،فانقلب الموقف عليه ،وكان أول الناس إيماناً هم أعوان فرعون على موسى ،وهكذا هنا كان أسرع الناس إيماناً الذي جمعهم الملك ليشهدوا قتله للغلام .
فظهر تناسب ذكر فرعون دون غيره من الأمم الطاغية السابقة ،وإن كان في الكل عظة وعبرة ،ولكن هذا منتهى الإعجاز في قصص القرآن وأسلوبه ،والله تعالى أعلم .
وكذلك ثمود لما كان منهم من مظاهر القوة والطغيان ،وقد جمعها الله أيضاً معاً في سورة الفجر في قوله:{وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ} ،وهكذا جمعها هنا فرعون وثمود .