وقوله:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} ،لم يبين هنا بم ولا كيف رفع له ذكره ،والرفع يكون حسياً ويكون معنوياً ،فاختلف في المراد به أيضاً .
فقيل: هو حسي في الأذان والإقامة ،وفي الخطب على المنابر وافتتاحيات الكلام في الأمور الهامة ،واستدلوا لذلك بالواقع فعلاً ،واستشهدوا بقول حسان رضي الله عنه ،وهي أبيات في ديوانه من قصيدة دالية:
أغر عليه للنبوة خاتم *** من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النَّبي إلى اسمه *** إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله *** فذوا العرش محمود وهذا محمد
ومن رفع الذكر معنى أي من الرفعة ،ذكره صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء قبله ،حتى عرف للأمم الماضية قبل مجيئه .
وقد نص القرآن أن الله جعل الوحي ذكراً له ولقومه ،في قوله تعالى:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 43 وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} ،ومعلوم أن ذكره قومه ذكر له ،كما قال الشاعر:
وكم أب قد علا بابن ذرى رتب *** كما علت برسول الله عدنان
فتبين أن رفع ذكره صلى الله عليه وسلم ،إنما هو عن طريق الوحي سواء كان بنصوص من توجيه الخطاب إليه بمثل{* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ} ،{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} ،{يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1} ،والتصريح باسمه في مقام الرسالة{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ} ،أو كان في فروع التشريع ،كما تقدم في أذان وإقامة وتشهد وخطب وصلاة عليه صلى الله عليه وسلم .واللَّه تعالى أعلم .