عطف على جملة{ واصنع الفلك}[ هود: 37] ،أي أوحي إليه{ اصنع الفلك} ،وصَنَع الفلك .وإنما عبر عن صنعه بصيغة المضارع لاستحضار الحالة لتخييل السامع أن نوحاً عليه السلام بصدد العمل ،كقوله:{ والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً}[ فاطر: 9] وقوله:{ يجادلنا في قوم لوطٍ}[ هود: 74] وجملة{ وكلما مر عليه ملأ} في موضع الحال من ضمير{ يصنع} .
و{ كلّما} كلمة مركبة من ( كل ) و ( ما ) الظرفية المصدرية ،وانتصبت ( كل ) على الظرفية لأنها اكتسبت الظرفية بالإضافة إلى الظرف ،وهو متعلّق{ سخروا} ،وهو جوابه من جهة أخرى .والمعنى: وسَخر منه ملأ من قومه في كل زمن مرورهم عليه .
و ( لما ) في ( كلما ) من العموم مع الظرفية أشربت معنى الشرط مثل ( إذا ) فاحتاجت إلى جواب وهو{ سَخروا منه} .
وجملة{ قال إن تسخروا منا} حكاية لما يجيب به سخريتهم ،أجريت على طريقة فعل القول إذا وقع في سياق المحاورة ،لأن جملة{ سخروا} تتضمن أقوالاً تنبني عن سخريتهم أو تبين عن كلام في نفوسهم .
وجمع الضمير في قوله:{ مِنّا} يشير إلى أنهم يسخرون منه في عمل السفينة ومن الذين آمنوا به إذْ كانوا حَوله واثقين بأنه يعمل عَملاً عظيماً ،وكذلك جمعه في قوله:{ فإنّا نسخر منكم} .
والسخرية: الاستهزاء ،وهو تعجب باحتقار واستحماق .وتقدم عند قوله تعالى:{ فحَاق بالذين سَخروا منهم} في أول سورة[ الأنعام: 10] ،وفعلها يتعدى ب ( من ) .
وسخريتهم منه حمل فعله على العبث بناء على اعتقادهم أن ما يصنعه لا يأتي بتصديق مدعاه .
وسخرية نوح عليه السلام والمؤمنين ،من الكافرين من سفه عقولهم وجهلهم بالله وصفاته .فالسخريتان مقترنتان في الزمن .
وبذلك يتضح وجه التشبيه في قوله:{ كما تسخرون} فهو تشبيه في السبب الباعث على السخرية ،وإن كان بين السببيْن بَون .