/م36
أمّا عن قوم نوح فكان عليهم أن يفكروا بجدولو لحظة واحدةفي دعوة النّبي نوح( عليه السلام ) ويحتملوا على الأقل أن هذا الإِصرار وهذه الدعوات المكررة كلها من «وحي الله » فتكون مسألة العذاب والطوفان حتمية!!إلاّ أنّهم واصلوا استهزاءهم وسخريتهم مرّة أُخرى وهي عادة الأفراد المستكبرين والمغرورين ( ويصنع الفلك وكلّما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إِن تسخروا منّا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ) .
«الملأ » والأشراف الراضون عن أنفسهم يسخرون من المستضعفين في كل مكان ،ويعدونهم أذلاء وحقراء لأنّهم لا قوّة لهم ولا ثروة !!ومضافاً بل حتى أفكارهم وإِن كانت سامية ،ومذهبهم وإن كان ثابتاً وراسخاً ،وأعمالهم وإِن كانت عظيمة وجليلة ..كل ذلك في حساب «الملأ » حقير تافه ..!ولذلك لم ينفعهم الإِنذار والنصيحة .فلابدّ أن تنهال أسواط العذاب الأليم على ظهورهم
يقال أن الملأ من قوم نوح والأشراف كانوا جماعات ،وكل جماعة تختار نوعاً من السخرية والاستهزاء بنوح ليضحكوا ويفرحوا بذلك الاستهزاء !
فمنهم من يقول: يا نوح ،يبدو أن دعوى النبوة لم تنفع وصرت نجاراً آخر الأمر !
ومنهم من يقول: حسناً تصنع السفينة ،فينبغي أن تصنع لها بحراً ،أرأيت إِنساناً عاقلا يصنع السفينة على اليابسة .ومنهم من يقول: واهاً لهذه السفينة العظيمة ،كان بإِمكانك أن تصنع أصغر منها ليمكنك سحبها إلى البحر .
كانوا يقولون مثل ذلك ويقهقهون عالياً ،وكان هذا الموضوع مثار حديثهم وبحثهم في البيوت وأماكن عملهم ،حيث يتحدثون عن نوح وأصحابه وقلّة عقلهم: تأملوا الرجل العجوز وتفرّجوا عليه كيف انتهى به الأمر ،الآن ندرك أن الحق معنا حيث لم نؤمن بِكلامه ،فهو لا يملك عقلا صحيحاً !!
ولكن نوحاً كان يواصل عمله بجدية فائقة وأناة واستقامة منقطعة النظير لأنّها وليدة الإِيمان ،وكان لا يكترث بكلمات هؤلاء الذين رضوا عن أنفسهم وعميت قلوبهم ،وإِنّما يواصل عمله ليكمله بسرعة .ويوماً بعد يوم كان هيكل السفينة يتكامل ويتهيأ لذلك اليوم العظيم ،وكان نوح( عليه السلام ) أحياناً يرفع رأسه ويقول لقومه الذين يسخرون منه هذه الجملة القصيرة ( قال إِن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون ) .
ذلك اليوم الذي يطغى فيه الطوفان فلا تعرفون ما تصنعون ،ولا ملجأ لكم ،وتصرخون معولين بين الأمواج تطلبون النجاة ..ذلك اليوم يسخر منكم المؤمنين ومن غفلتكم وجهلكم وعدم معرفتكم ويضحكون عليكم .
/خ39