جملة{ ينبت} حال من ضمير{ أنزل}[ سورة النحل: 10] ،أي ينبت الله لكم .
وإنما لم يعطف هذا على جملة{ لكم منه شراب}[ سورة النحل: 10] لأنّه ليس مما يحصل بنزول الماء وحده بل لا بدّ معه من زرع وغرس .
وهذا الإنبات من دلائل عظيم القدرة الربّانية ،فالغرض منه الاستدلال ممزوجاً بالتذكير بالنّعمة ،كما دلّ عليه قوله:{ لكم} على وزان ما تقدم في قوله تعالى:{ والأنعام خلقها لكم فيها دفء}[ سورة النحل: 5] الآية ،وقوله تعالى:{ والخيل والبغال والحمير لتركبوها}[ سورة النحل: 8] الآية .
وأسند الإنبات إلى الله لأنه الملهم لأسبابه والخالق لأصوله تنبيهاً للناس على دفع غرورهم بقدرة أنفسهم ،ولذلك قال:{ إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} لكثرة ما تحت ذلك من الدقائق .
وذكر الزرع والزيتون وما معهما تقدم غير مرة في سورة الأنعام .
والتفكّر تقدم عند قوله تعالى:{ قل هل يستوي الأعمى والبصيرأفلا تتفكرون} في سورة الأنعام ( 50 ) .
وإقحام لفظ قوم للدلالة على أن التفكّر من سجاياهم ،كما تقدم عند قوله تعالى:{ لآيات لقوم يعقلون} في سورة البقرة ( 164 ) .
و{ من كل الثمرات} عطف على{ الزرع والزيتون} ،أي وينبت لكم به من كل الثمرات مما لم يذكر هنا .
والتعريف تعريف الجنس .والمراد: أجناس ثمرات الأرض التي ينبتها الماء ،ولكل قوم من الناس ثمرات أرضهم وجَوّهم .و{ من} تبعيضية قصد منها تنويع الامتنان على كل قوم بما نالهم من نعم الثمرات .وإنما لم تدخل على الزرع وما عطف عليه لأنها من الثمرات التي تنبت في كل مكان .
وجملة{ إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} تذييل .
والآية: الدلالة على أنه تعالى المبدع الحكيم .وتلك هي إنبات أصناف مختلفة من ماء واحد ،كما قال:{ تسقى بماء واحد} في سورة الرعد ( 4 ) .
ونيطت دلالة هذه بوصف التفكير لأنها دلالة خفية لحصولها بالتدريج .وهو تعريض بالمشركين الذين لم يهتدوا بما في ذلك من دلالة على تفرّد الله بالإلهية بأنهم قوم لا يتفكرون .
وقرأ الجمهور{ ينبت} بياء الغيبة .وقرأه أبو بكر عن عاصم بنون العظمة .