تذييل للجمل قبلها لما في هذه الجملة من العموم الحاصل من قصر الولاية على الله تعالى المقتضي تحقيق جملة{ ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً}[ الكهف: 42] ،وجملة{ ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله}[ الكهف: 43] ،وجملة{ وما كان منتصراً}[ الكهف: 43] ،لأن الولاية من شأنها أن تبعث على نصر المولى وأن تطمِع المولى في أن وليه ينصره .ولذلك لما رأى الكافر ما دهاه من جراء كفره التجأ إلى أن يقول:{ يا ليتني لم أشرك بربي أحداً}[ الكهف: 42] ،إذ علم أن الآلهة الأخرى لم تغن وَلايتُهم عنه شيئاً ،كما قال أبو سفيان يوم أسلم لقد علمت أن لو كان معه إله آخر لقد أغنَى عني شيئاً .فاسم الإشارة مبتدأ والولاية لله} جملة خبر عن اسم الإشارة .
واسم إشارة المكان البعيد مستعار للإشارة إلى الحال العجيبة بتشبيه الحالة بالمكان لإحاطتها بصاحبها ،وتشبيه غرابتها بالبعد لندرة حصولها .والمعنى: أن في مثل تلك الحالة تقصر الولاية على الله .فالولاية: جنس معرف بلام الجنس يفيد أن هذا الجنس مختص باللام على نحو ما قرر في قوله تعالى:{ الحمد لله}[ الفاتحة: 2] .
والوَلاية بفتح الواو مصدر وَلِي ،إذا ثبت له الوَلاء .وتقدمت عند قوله تعالى:{ ما لكم من ولايتهم من شيء{ حتى يهاجروا} في سورة الأنفال ( 72 ) .وقرأه حمزة والكسائي وخلف{ الوِلاية} بكسر الواو وهي اسم للمصدر أو اسم بمعنى السلطان والمُلك .
و{ الحق} قرأه الجمهور بالجر ،على أنه وصف لله تعالى ،كما وصف بذلك في قوله تعالى:{ وردوا إلى الله مولاهم الحق} في سورة يونس ( 30 ) .وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف{ الحقُّ} بالرفع صفة للولاية ،ف{ الحق} بمعنى الصِدق لأن ولاية غيره كذب وباطل .
قال حجة الإسلام: « والواجب بذاته هو الحق مطلقاً ،إذ هو الذي يستبين بالعقل أنه موجود حقاً ،فهو من حيث ذاته يسمى موجوداً ومن حيث إضافته إلى العقل الذي أدركه على ما هو عليه يسمى حقاً » ا هـ .
وبهذا يظهر وجه وصفه هنا بالحق دون وصف آخر ،لأنه قد ظهر في مثل تلك الحال أن غير الله لا حقيقة له أو لا دوام له .
{ وخَير} يجوز أن يكون بمعنى أخْيَر ،فيكون التفضيل في الخيرية على ثواب غيره وعُقُب غيره ،فإن ما يأتي من ثواب من غيره ومن عقبى إما زائف مفضضٍ إلى ضر وإما زائل ،وثواب الله خالصٌ دائم وكذلك عقباه .
ويجوز أن يكون{ خير} اسماً ضَد الشر ،أي هو الذي ثوابه وعُقُبه خير وما سواه فهو شر .
والتمييز تمييز نسبة الخير إلى الله .و « العقب » بضمتين وبسكون القاف بمعنى العاقبة ،أي آخرة الأمر .وهي ما يرجوه المرء من سعيه وعمله .
وقرأ الجمهور{ عُقُباً} بضمتين وبالتنوين .وقرأه عاصم وحمزة وخلف بإسكان القاف وبالتنوين .
فكان ما ناله ذلك المشرك الجبار من عطاء إنما ناله بمساع وأسباب ظاهرية ولم ينله بعناية من الله تعالى وكرامة فلم يكن خيراً وكانت عاقبته شراً عليه .