الفاء عاطفة على محذوف يدلّ عليه قوله{ وألق ما في يمينك}[ طه: 69] .والتقدير: فألقى فتلقفت ما صنعوا ،كقوله تعالى:{ أن اضرب بعصاك البحر فانفلق}[ الشعراء: 63] .
والإلقاء: الطرح على الأرض .وأسند الفعل إلى المجهول لأنّهم لا ملقي لهم إلاّ أنفسهم ،فكأنّه قيل: فألقوا أنفسهم سُجّداً ،فإنّ سجودهم كان إعلاناً باعترافهم أنّ موسى مرسل من الله .ويجوز أن يكون سجودهم تعظيماً لله تعالى .
ويجوز أن يكون دلالة على تغلب موسى عليهم فسجدوا تعظيماً له .
ويجوز أن يريدوا به تعظيم فرعون ،جعلوه مقدمة لقولهم{ ءَامَنَّا بِرَبّ هارون وموسى} حذراً من بطشه .
وسُجّد: جمع ساجد .
وجملة{ قَالُوا} يصح أن تَكون في موضع الحال ،أي ألقَوْا قائلين .ويصح أن تكون بدل اشتمال من جملة{ فَأُلقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً} فإن سجودهم اشتمل على إيمانهم ،وأن تكون مستأنفة ابتدائية لافتتاح المحاورة بينهم وبين فرعون .
وإنما آمنوا بالله حينئذ لأنّهم أيقنوا أن ما جرى على يد موسى ليس من جنس السحر لأنّهم أيمّة السحر فعلموا أنّه آية من عند الله .
وتعبيرهم عن الرب بطريق الإضافة إلى هارون وموسى لأن الله لم يكن يعرف بينهم يومئذ إلا بهذه النسبة لأن لهم أرباباً يعبدونها ويعبدها فرعون .
وتقديم هارون على موسى هنا وتقديم موسى على هارون في قوله تعالى في سورة الأعراف ( 121 ،122 ):{ قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون} لا دلالة فيه على تفضيل ولا غيره ،لأنّ الواو العاطفة لا تفيد أكثر من مطلق الجمع في الحكم المعطوف فيه ،فهم عرفوا الله بأنه ربّ هذين الرجلين ؛فحكي كلامهم بما يدلّ على ذلك ؛ألا ترى أنه حكي في سورة الأعراف ( 121 ) قول السحرة{ قالوا آمنا برب العالمين} ،ولم يحك ذلك هنا ،لأن حكاية الأخبار لا تقتضي الإحاطة بجميع المحكي وإنما المقصود موضع العبرة في ذلك المقام بحسب الحاجة .
ووجه تقديم هارون هنا الرعاية على الفاصلة ،فالتقديم وقع في الحكاية لا في المحكي ،إذ وقع في الآية الأخرى{ قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون}[ الشعراء: 47 ،48] .ويجوز أن يكون تقديم هارون في هذه الآية من حكاية قول السحرة ،فيكون صدر منهم قولان ،قدموا في أحدهما اسم هارون اعتباراً بكبر سنّه ،وقدموا اسم موسى في القول الآخر اعتباراً بفضله على هارون بالرسالة وكلام الله تعالى ،فاختلاف العبارتين باختلاف الاعتبارين .