قوله تعالى:{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى 70} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن سحرة فرعون لما عاينوا عصا موسى تبتلع جميع حبالهم وعصيهم خروا سجداً لله تعالى قائلين: آمنا بالله الذي هو رب هارون وموسى .فهداهم الله بذلك البرهان الإلهي ،هذه الهداية العظيمة .وقد أوضح تعالى هذا المعنى في مواضع أخر .كقوله في «الأعراف »:{وأوحينا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هي تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ 117 وَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سَاجِدِين 120 َقَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِين 121 َرَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ 122} ،وقوله في «الشعراء »:{فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هي تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ 45 فَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سَاجِدِين َ46 قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ 47 رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ 48} ،وقوله:{فَأُلْقِي} يدل على قوة البرهان الذي عاينوه ؛كأنهم أمسكهم إنسان وألقاهم ساجدين بالقوة لعظم المعجزة التي عاينوها .وذكر في قصتهم أنهم عاينوا منازلهم في الجنة في سجودهم .والظاهر أن ذلك من نوع الإسرائيليات ،وأطلق عليهم اسم السحرة في حال سجودهم لله مؤمنين به نظراً إلى حالهم الماضية ؛كقوله:{وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} فأطلق عليهم اسم اليتم بعد البلوغ نظراً إلى الحال الماضية كما هو معروف في محله .
والظاهر أن تقديم هارون على موسى في هذه الآية لمراعاة فواصل الآيات .
واعلم أن علم السحر مع خسته ،وأن الله صرح بأنه لا يضر ولا ينفع ،قد كان سبباً لإيمان سحرة فرعون ؛لأنهم لمعرفتهم بالسحر عرفوا معجزة العصا خارجة عن طور السحر ،وأنها أمر إلهي فلم يداخلهم شك في ذلك .فكان ذلك سبباً لإيمانهم الراسخ الذي لا يزعزعه الوعيد والتهديد .ولو كانوا غير عالمين بالسحر جداً ،لأمكن أن يظنوا أن مسألة العصا من جنس الشعوذة .والعلم عند الله تعالى .