لما جاءهم التعريض بالتهديد من لازم المتاركة المدلول عليها بقوله:{ فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربي}[ سبأ: 50] للعلم بأن الضال يستحق العقاب أتبع حالهم حين يحلّ بهم الفزع من مشاهدة ما هدّدوا به .
والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم تسلية له أو لكل مخاطب .وحذف جواب{ لو} للتهويل .والتقدير: لرأيت أمراً فظيعاً .
ومفعول{ ترى} يجوز أن يكون محذوفاً ،أي لو تراهم ،أو ترى عذابهم ويكونَ{ إذ فزعوا} ظرفاً ل{ ترى} ويجوز أن يكون{ إذ} هو المفعول به وهو مجرد عن الظرفية ،أي لو ترى ذلك الزمان ،أي ترى ما يشتمل عليه .
والفزع: الخوف المفاجىء ،وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار:"إنكم لَتَكْثُرون عند الفَزَع وتَقِلُّون عند الطمع".وهذا الفزع عند البعث يشعر بأنهم كانوا غير مهيِّئين لهذا الوقت أسبابَ النجاة من هوله .
والأخذ: حقيقته التناول وهو هنا مجاز في الغلب والتمكن بهم كقوله تعالى:{ فأخذهم أخذة رابية}[ الحاقة: 10] .والمعنى: أُمسِكُوا وقَبض عليهم لملاقاة ما أعد لهم من العقاب .
وجملة{ فلا فوت} معترضة بين المتعاطفات .والفوت: التفلت والخلاص من العقاب ،قال رويشد الطائي:
إن تذنبوا ثم تأتيني بقيتكم *** مما علي بذنب منكم فوت
أي إذا أذنبتم فجاءت جماعة منكم معتذرين فذلك لا يدفع عنكم جزاءكم على ذنبكم .
وفي « الكشاف »: « ولو ،وإذْ ،والأفعال التي هي فَزِعوا ،وأُخذوا ،وحيل بينهم ،كلها للمضيّ ،والمراد بها الاستقبال لأن ما الله فاعله في المستقبل بمنزلة ما كان ووُجد لتحققه » اهـ .ويزداد عليها فعل{ وقالوا} .
والمكان القريب: المحشر ،أي أخذوا منه إلى النار ،فاستغني بذكر{ مِن} الابتدائية عن ذكر الغاية لأن كل مبدأ له غاية ،ومعنى قرب المكان أنه قريب إلى جهنم بحيث لا يجدون مهلة لتأخير العذاب .
وليس بين كلمتي{ قريب} هنا والذي في قوله:{ إنه سميع قريب}[ سبأ: 50] ما يشبه الإِيطاء في الفواصل لاختلاف الكلمتين بالحقيقة والمجاز فصار في الجمع بينهما محسِّن الجناس التام .