التّفسير
ليس للكافرين مفرّ:
الآيات الأخيرة من سورة سبأ تعود إلى الحديث في المشركين المعاندين الذين مرّ الحديث فيهم في الآيات السابقة عن طريق مخاطبة الرّسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله )فتصوّر حال تلك المجموعة عند وقوعها في قبضة العذاب الإلهي ،كيف تفكّر في الإيمان ،حين لا يكون لإيمانهم أدنى فائدة .
يقول تعالى: ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت واُخذوا من مكان قريب ) .
ثمّة آراء بين المفسّرين في: متى يكون ذلك الصراخ والفزع والإضطراب ؟فبعضهم يرى أنّه عذاب الدنيا أو عذاب الموت ،وبعضهم يرى أنّه يخصّ عقاب يوم القيامة ،غير أنّ آخر هذه الآية ،يشير إلى أنّ هذه الآيات جميعها تتحدّث عن الدنيا وعذاب الإستئصال ،أو لحظة تسليم الروح ،إذ يقول تعالى في الآية الأخيرة من هذا المقطع ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فُعل بأشياعهم من قبل ) وهذا التعبير لا ينسجم مع يوم القيامة .لأنّ الجميع يجمعون في ذلك اليوم للحساب ،كما تشير إلى ذلك الآية ( 102 ) من سورة هود ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ) .
وفي الآيتين 4950 من سورة الواقعة أيضاً نقرأ ( قل إنّ الأوّلين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ) .
وعليه فإنّ المقصود من جملة ( اُخذوا من مكان قريب ) هو أنّ هؤلاء الأفراد الكافرين والظالمين ،ليس فقط لا يمكنهم الفرار من يد القدرة الإلهيّة فحسب ،بل إنّ الله سبحانه وتعالى يأخذهم بالعذاب من مكان قريب منهم جدّاً .
ألم يدفن الفراعنة في أمواج النيل الذي كان المصدر الأساس لفخرهم ،ألم تنخسف الأرض بقارون وكنوزه ،و «قوم سبأ » الذين مرّت بنا قصّتهم في هذه السورة ألم يحق بهم الهلاك أقرب الأمكنة لهم ،وهو ذلك السدّ العظيم الذي كان سبب عمران بلادهم وسبب حياتهم وحركتهم ؟لذا فإنّه الله يأخذ بالعذاب من أقرب الأماكن حتّى يُعلم مدى قدرته وسطوته .
فأكثر السلاطين الظلمة قتلوا على أيدي أقرب أفراد حواشيهم ،وأغلب المتسلّطين الجبابرة تلقّوا الضربة الأخيرة من داخل قصورهم .
ولو لاحظنا ما ورد في الكثير من الروايات من طرق السنّة والشيعة ،لرأينا أنّ لهذه الآية مصداقاً في أحاديث «السفياني » ( مجموعة على خطّ أبي سفيان وعصارة عصر الجاهلية يخرجون على أتباع الحقّ في عصر ظهور المهدي ( عليه السلام ) ) .حيث أنّ السفياني وجيشه تخسف بهم الصحراء وسط الطريق إلى مكّة ،وذلك في الحقيقة واحد من مصاديق الآية ( واُخذوا من مكان قريب ) .حيث أنّهم وقعوا في العذاب الإلهي من أقرب النقاط لهم ،وهي الأرض التي تحت أقدامهم .وقد وردت أحاديث كثيرة بهذا المضمون عن ابن عبّاس وابن مسعود وأبي هريرة وحذيفة واُمّ سلمة وعائشة ،كما يلاحظ في كتب السنّة ،وكلّهم ينقلون عن الرّسول الأكرم( صلى الله عليه وآله ){[3532]} .
وقد أوردت تلك الأحاديث في تفسير هذه الآية في الكثير من كتب التّفسير الشيعية من أمثال تفسير القمّي ،ومجمع البيان ،ونور الثقلين ،والصافي ،والكثير من كتب التّفسير السنّية كتفسير روح المعاني ،وروح البيان ،والقرطبي .
كذلك فإنّ العلاّمة المجلسيأعلى الله مقامهأورد العديد من الروايات عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) بهذا الخصوص ،والتي تشير إلى كونها أحد مصاديق هذه الآيات ،باعتبار أنّ الخسف الذي يحلّ بالسفياني وجيشه هو مصداق للأخذ من مكان قريب{[3533]} .
وكما أشرنا مراراً فإنّ الرّوايات التي يوردها المفسّرون للتدليل على معنى الآية ،إنّما هي المصاديق الأوضح ،وليس معناها تحديد معنى الآية في ذلك .