{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله} .
جملة معترضة في خلال الخبر عن قضية المنافق الذي تحاكم إلى الطاغوت .وهو رجوع إلى الغرض الأوّل ،وهو الإنحاء عليهم في إعراضهم عن التحاكم إلى الرسول ،وأنّ إعراضهم ذلك مؤذن بنفاقهم: ببيان أنّ معنى الإيمان الرضا بحكم الرسول إذ ما جاء الرسول إلاّ ليُطاع فكيف يُعرض عنه .
وقوله:{ بإذن الله} في موضع الحال من الضمير في ( يطاع ) أي متلبّساً في ذلك بإذن الله أي بأمره ووصايته ،إذ لا تظهر فائدة الشرائع بدون امتثالها .فمن الرسل من أطيع ،ومنهم من عصي تارةٌ أو دائماً ،وقد عصي موسى في مواقع ،وعصى عيسى في معظم أمره ،ولم يعصَ محمد من المؤمنين به المحقيّن إلاّ بتأوّل ،مثل ما وقع في يوم أحُد إذ قال الله تعالى:{ وعصيتم}[ آل عمران: 152] ،وإنّما هو عصيان بتأوّل ،ولكنّه اعتبر عصياناً لكونه في الواقع مخالفة لأمر الرسول ،ولذلك كان أكملُ مظاهر الرسالة تأييدَ الرسول بالسلطان ،وكون السلطان في شخصه لكيلا يكون في حاجة إلى غيره ،وإنّما تمّ هذا المظهر في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك وصف بأنّه نبيء الملاحم ،وقد ابتدأت بوارق ذلك في رسالة موسى عليه السلام ،ولم تستكمل ،وكملت لمحمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى:{ لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسلَه بالغيب}[ الحديد: 25] ولا أحسبه أراد برسله إلاّ رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام وكان هو المراد من الجمع لأنّه الأكمل فيهم .
عطف على جملة{ فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدّمت أيديهم}[ النساء: 62] توبيخاً لهم على تحاكمهم إذ كان ذلك عصياناً على عصيان ،فإنّهم ما كفاهم أن أعرضوا عن تحكيم الرسول حتّى زادوا فصدّوا عمّن قال لهم: تعالَوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول .فلو أَستفاقوا حينئذٍ من غُلوائهم لعلموا أنّ إرادتهم أن يتحاكموا إلى الكفار والكهنة جريمة يجب الاستغفار منها ولكنّهم أصرّوا واستكبروا .وفي ذكر ( لو ) وجعل{ لوَجدوا الله تواباً رحيماً} جواباً لها إشارة إلى أنّهم لمّا لم يفعلوا فقد حُرموا الغفران .
وكان فعل هذا المنافق ظلماً لنفسه .لأنّه أقحمها في معصية الله ومعصية الرسول ،فجرّ لها عقاب الآخرة وعرضها لمصائب الانتقام في العاجلة .