/ت60
طاعة النبي من طاعة الله تعالى
ثم يتابع القرآن تأكيد الفكرة في الدور الذي أراده الله للرسول ،فلم يرسل الله رسله ليكونوا مجرّد شخصيات مقدسة ،يقدّم لهم الناس فروض الاحترام والتقديس والتعظيم في مظاهر عبادية واحتفالية ،دون أن يكون لهم أي أثر عملي في حياة الناس ،كما يفعل الكثيرون من العوام في علاقتهم بالأنبياء والأولياء ،عند زيارتهم لهم في قبورهم ومشاهدهم ،فليس هناك إلا تقديم مراسيم الخضوع والنذور والقرابين ،من أجل العلاقة الذاتية التي تتوسّل إلى رغباتها بالوسائل التي يحاول الناس بها الوصول إلى أغراضهم من بعضهم البعض ،ثم لا شيء بعد ذلك مما يتصل بالخط الذي يتبناه هذا النبي أو الإمام أو الوليّ ؛فذلك أمر لا علاقة له بالدور الذي يتمثله الناس في الحضور العاطفي لهذه الشخصيات في حياتهم .
وهذا ليس هو الدور الذي جعله الله للأنبياء في علاقة الناس بهم ،بل هو دور الاتباع والطاعة لهم{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ} فإن الله لم يرسل أي رسول{إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} لتكون طاعتهفي ما يأمر به أو ينهى عنهطاعةً لله ،فنحن نطيعه لأن الله أذن لنا في ذلك ،لا من خلال صلة شخصية أو عاطفية .وهذا خط إسلامي يرسمه الله لنا في حركة الطاعة للأشخاص في حياتنا ؛فإن الله لم يجعل لنا حرية الطاعة لأيٍّ كان ،لئلا تختلط علينا الأمور في مسيرتنا العملية ،تبعاً لاختلاط أشكال الطاعة وأوضاعها في علاقاتنا العامة والخاصة ،بل لا بد لنا من أن ندرس حالة أيِّ شخص يطلب منا أن نطيعه ،فإن كان يؤدي عن الله بحجة شرعية ثابتة ،فلنا أن نطيعه من خلال أن الله أراد لنا ذلك ؛وإن لم يكن ممن يؤدي عن الله في ما يؤدّيه من شؤون الفكر والحياة ،أو لم نستوثق من ذلك من خلال ما يثبت لنا من وسائل الثقة ،فإن علينا أن نتوقف أو نتحفّظ لئلا نقع في أحابيل الشيطان ،من حيث نريد أو لا نريد .
{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} ثم يثير القرآن أمام موقف هؤلاء المنافقين المنحرفين الذين يحاولون أن يبرّروا أعمالهم بالباطل ،إمكانية أن يتراجعوا ويصحّحوا مسارهم الطبيعي ،من دون حاجة إلى اللف والدوران ؛{جَآءُوكَ} وذلك بأن يقفوا أمام الرسول( ص ) بعد أن ظلموا أنفسهم بمعصيتهم لله ،وتمرّدهم على الرسول ،{فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} ليستغفروا الله ويتوبوا إليه مما عملوه حتى يستغفر لهم الرسول ،ليؤكّد قبوله لهم ومسامحتهم في حقه ،فيدعو الله لهم بالمغفرة ،كما يدعونه ليغفر لهم ،{لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً} وسيجدون الله عند حسن ظنهم فيتوب عليهم إذا عرف منهم صدق التوبة ،ويرحمهم بمغفرته وعفوه ورضوانه ،وبذلك يمكنهم أن يتخففوا من ثقل الذنوب التي أرهقت نفوسهم وظهورهم ،وينطلقوا إلى الحياة خفافاً من كل وزر ،أطهاراً من كل رجس .