{ فهل ينظرون إلآ الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشارطها}
تفريع على ما مضى من وصف أحوال الكافرين من قوله:{ أفلم يسيروا في الأرض} إلى قوله:{ واتبعوا أهواءهم}[ محمد: 10 16] الشاملة لأحوال الفريقين ففرع عليها أن كلا الفريقين ينتظرون حلول الساعة لينالوا جزاءهم على سوء كفرهم فضمير ينظرون مراد به الكافرون لأن الكلام تهديد ووعيد ،ولأن المؤمنين ينتظرون أموراً أخر مثل النصر والشهادة ،قال تعالى:{ قل هل تَربَّصُون بنا إلا إحدى الحُسْنَيْينِ}[ التوبة: 52] الآية .والنظر هنا بمعنى الانتظار كما في قوله تعالى:{ هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك}[ الأنعام: 158] الآية .
والاستفهام إنكار مشوب بتهكم ،وهو إنكار وتهكم على غائبين ،موجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي لا تحسب تأخير مؤاخذتهم إفلاتاً من العقاب ،فإنه مُرجَوْن إلى الساعة .
وهذا الاستفهام الإنكاري ناظر إلى قوله آنفاً{ والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم}[ محمد: 12] .
والقصر الذي أفاده الاستثناء قصر ادعائي ،نُزل انتظارهم ما يأملونه من المرغوبات في الدنيا منزلة العدم لضآلة أمره بعد أن نُزلوا منزلة من ينتظرون فيما ينتظرون الساعة لأنهم لتحقق حلوله عليهم جديرون بأن يكونوا من منتظريها .
و{ أن تأتيهم} بدل اشتمال من الساعة .و{ بغتة} حال من الساعة قال تعالى:{ لا تأتيكم إلا بغتة}[ الأعراف: 187] .والبغتة: الفجأة ،وهو مصدر بمعنى: المرة ،والمراد به هنا الوصف ،أي مباغتة لهم .
ومعنى الكلام: أن الساعة موعدهم وأن الساعة قريبة منهم ،فحالهم كحال من ينتظر شيئاً فإنما يكون الانتظار إذا اقترب موعد الشيء ،هذه الاستعارة تهكمية .
والفاء من قوله:{ فقد جاء أشراطها} فاء الفصيحة كالتي في قول عباس بن الأحنف:
قالوا خراسانُ أقصى ما يراد بنا *** ثم القفول فقد جئنا خراسانا
وهذه الفصيحة تفيد معنى تعليل قرب مؤاخذتهم .
والأشراط: جمع شَرَط بفتحتين ،وهو: العلامة والأمارة على وجود شيء أو على وصفه .وعلامات الساعة هي علامات كونها قريبة .وهذا القرب يتصور بصورتين:
إحداهما أن وقت الساعة قريب قرباً نسبياً بالنسبة إلى طول مدة هذا العالم ومن عليه من الخلق .
والثانية: أن ابتداء مشاهدة أحوال الساعة يحصل لكل أحد بموته فإن روحه إذا خلصت عن جسده شاهدت مصيرها مشاهدة إجمالية وبه فسر حديث أبي هريرة مرفوعاً «القبر روضة من رياض الجنة أو حفر من حفر النار» رواه الترمذي .وهو ضعيف ويفسره حديث ابن عمر مرفوعاً «إذا مات الميت عرض عليه مقعده بالغداة والعشي فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ثم يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة» ونهاية حياة المرء قريبة وإن طال العمر .
والأشراط بالنسبة للصورة الأولى: الحوادث التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تقع بين يدي الساعة ،وأولها بعثته لأنه آخر الرسل وشريعته آخر الشرائع ثم ما يكون بعد ذلك ،وبالنسبة للصورة الثانية أشراطها الأمراض والشيخوخة .
{ فأنى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذكراهم} .
تفريع على{ فقد جاء أشراطها} .و{ أنّى} اسم يدل على الحالة ،ويضمّن معنى الاستفهام كثيراً وهو هنا استفهام إنكاري ،أي كيف يحصل لهم الذكرى إذا جاءتهم الساعة ،والمقصود: إنكار الانتفاع بالذكرى حينئذٍ .
و{ أنَّى} مبتدأ ثان مقدم لأن الاستفهام له الصدارة .و{ ذكراهم} مبتدأ أول و{ لهم} خبر عن{ أنّى} ،وهذا التركيب مثل قوله تعالى:{ أنّى لهم الذكرى} في سورة الدخان ( 13 ) ،وضمير جاءتهم} عائد إلى{ الساعة} .