وأما{ مناة} فعَلَم مرتجل ،وهو مؤنث فحقه أن يكتب بهاء تأنيث في آخره ويوقف عليه بالهاء ،ويكون ممنوعاً من الصرف ،وفيه لغة بالتاء الأصلية في آخره فيوقف عليه بالتاء ويكون مصروفاً لأن تاء لات مثل باء باب ،وأصله: مَنَواة بالتحريك وقد يمد فيقال: منآة وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث .وقياس الوقف عليه أن يوقف عليه بالهاء ،وبعضهم يقف عليه بالتاء تبعاً لخط المصحف ،وكان صخرة وقد عبده جمهور العرب وكان موضعه في المشلل حذوَ قديد بين مكة والمدينة ،وكان الأوس والخزرج يطوفون حَوله في الحج عوضاً عن الصفا والمروة فلما حج المسلمون وسعَوا بين الصفا والمروة تحرج الأنصار من السعي لأنهم كانوا يسعون بين الصفا والمروة فنزل فيهم قوله تعالى:{ إن الصفا والمروة من شعائر اللَّه فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما كما تقدم عن حديث عائشة في الموطأ} في سورة البقرة{158}.
وقرأ الجمهور{ ومناة} بتاء بعد الألف .وقرأه ابن كثير بهمزة بعد الألف على إحدى اللغتين .والجمهور يقفون عليه بالتاء تبعاً لرسم المصحف فتكون التاء حرفاً من الكلمة غير علامة تأنيث فهي مثل تاء{ اللات} ويجعلون رسمها في المصحف على غير قياس .
ووصفها بالثالثة لأنها ثالثة في الذّكر وهو صفة كاشفة ،ووصفها بالأخرى أيضاً صفة كاشفة لأن كونها ثالثة في الذكر غير المذكورتين قبلها معلوم للسامع ،فالحاصل من الصفتين تأكيدٌ ذكرها لأن اللات والعزى عند قريش وعند جمهور العرب أشهر من مناة لبعد مكان مناة عن بلادهم ولأن ترتيب مواقع بيوت هذه الأصنام كذلك ،فاللات في أعْلى تهامة بالطائف ،والعُزَّى في وسطها بنخلةَ بين مكة والطائف ،ومناة بالمُشلل بين مكة والمدينة فهي ثالثة البقاع .
وقال ابن عطية: كانت مناة أعظم هذه الأوثان قدراً وأكثرها عابداً ولذلك قال تعالى:{ الثالثة الأخرى} فأكدها بهاتين الصفتين .
والأحسن أن قوله:{ الثالثة الأخرى} جرى على أسلوب العرب إذا أخبروا عن متعدد وكان فيه من يظنّ أنه غير داخل في الخبر لعظمة أو تباعد عن التلبس بمثل ما تلبس به نظراؤه أن يختموا الخبر فيقولوا: « وفلانٌ هو الآخَر » ووجهه هنا أن عُبَّاد مناة كثيرون في قبائل العرب فنبه على أن كثرة عبدتها لا يزيدها قوة على بقية الأصنام في مقام إبطال إلهيتها وكل ذلك جار مجرى التهكم والتسفيه .