لما كان قوله:{ وله الجوار المنشئات في البحر كالأعلام}[ الرحمن: 24] مؤذناً بنعمة إيجاد أسباب النجاة من الهلاك وأسباب السعي لتحصيل ما به إقامة العيش إذ يَسَّر للناس السفن عوناً للناس على الأسفار وقضاء الأوطار مع السلامة من طغيان ماء البحار ،وكان وصف السفن بأنها كالأعلام توسعة في هذه النعمة أتبعه بالموعظة بأن هذا لا يحول بين الناس وبين ما قدره الله لهم من الفناء ،على عادة القرآن في الفُرص للموعظة والتذكير كقوله:{ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}[ النساء: 78] .وفائدة هذا أن لا ينسوا الاستعداد للحياة الباقية بفعل الصالحات ،وأن يتفكروا في عظيم قدرة الله تعالى ويقبلوا على توحيده وطلب مرضاته .
ووقوع هذه الجملة عقب ما عدد من النعم فيه إيماء إلى أن مصير نعم الدنيا إلى الفناء .
والجملة استئناف ابتدائي .
وضمير{ عليها} مراد به الأرض بقرينة المقام مثل{ حتى توارت بالحجاب}[ ص: 32] ،أي الشمس ومثله في القرآن وكثير وفي كلام البلغاء .
ومعنى{ فانٍ}: أنه صائر إلى الفناء ،فهذا من استعمال اسم الفاعل لزمان الاستقبال بالقرينة مثل{ إنك ميت وإنهم ميتون}[ الزمر: 30] .
والمراد ب{ من عليها}: الناس لأنهم المقصود بهذه العبر ،ولذلك جيء ب ( من ) الموصولة الخاصة بالعقلاء .
والمعنى: أن مصير جميع من على الأرض إلى الفناء ،وهذا تذكير بالموت وما بعده من الجزاء .